الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 356 ] وإذا صلى بالتيمم في الوقت المشترك هل هو أكمل من الصلاة في الموضع المنهي عنه في الوقت المختص؟ فإن هذا حصل فيه نقصان: نقص التيمم والوقت المشترك، وهناك حصل نقص المكان المنهي عنه فقط. وسيأتي الكلام على هذه المسألة، ونبين أن الصلاة بالتيمم في الوقت المشترك خير من الصلاة المنهي عنها في الوقت المختص، لأن الصلاة في الوقت المشترك بالتيمم أصلا يؤم فيها المتيمم للمتوضئ بخلاف الصلاة في المكان المنهي عنه، فإنها لا تفعل إلا لضرورة.

ونظير ذلك من كان في مكان قد نهي عن الصلاة فيه -كالحمام والمكان النجس وغير ذلك- فإنه إذا لم يمكنه أن يصلي في الوقت إلا فيه صلى فيه، فإن فعل الصلاة في وقتها واجب، أعني الوقت المطلق، فلا يجوز له أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار أصلا، بل يصلي في الوقت المطلق: إما المختص وإما المشترك بحسب الإمكان. فإذا كان قد دخل إلى الحمام، وإن لم يصل فيه خرج الوقت، صلى فيه. وكذلك من حبس في موضع نجس لا يخرج منه إلا بعد فوت الوقت صلى فيه، ولا إعادة عليه، كما نص على ذلك أحمد وغيره. وهذا بين، لكن إن أمكنه أن يجمع بين الصلاتين خارجا عن الموضع المنهي عنه، فالجمع خارجا عن الموضع المنهي عنه خير من الصلاة فيه، والصلاة فيه خير من التفويت.

وذلك مثل المرأة إذا كان عليها غسل جنابة أو حيض، ولا يمكنها الاغتسال في الوقت، فعليها أن تصلي بالتيمم، فإذا صلت الفجر بالتيمم ثم لم يمكن الحمام إلا بعد الظهر، وإذا دخلت الحمام لم [ ص: 357 ] يمكنها الخروج منه إلا بعد الغروب، فالصلاة في الحمام بعد التطهر مع ستر رأسها وبدنها خير من التفويت بلا ريب، إذ التفويت إلى الغروب لا يجوز بحال، بل المصلي للعصر بعد الغروب كالصائم لرمضان في شوال باتفاق العلماء، فإنهم متفقون على أنه لا يجوز تفويت رمضان إلى شوال لمن يجب عليه، والصلاة في وقتها أوكد من الصوم في وقته كما بيناه. وهذه المرأة إذا صلت الظهر والعصر جمعا بينهما بالتيمم كان خيرا من صلاتها في الحمام مغتسلة، والصلاة في الحمام مغتسلة خير من التفويت، لأن الصلاة في الحمام منهي عنها كالصلاة في المقبرة وأعطان الإبل والمكان النجس والثوب النجس وصلاة العريان، ففي صلاتها جمعا تكميل الصلاة من هذا الوجه، كما تقدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية