الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كمن ظن أن قوله: وأتموا الحج والعمرة لله يمنع الفسخ الذي أمر [به] النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أطوع الخلق لربه وأتبعهم لهذه الآية، فكيف يأمرهم بأن لا يتموا الحج والعمرة لله؟ والذي لا يتم هو الذي يحل بعمرة لا يتمتع بها أو بلا عمرة، وهذا لا يجوز بالإجماع.

وأما من أحل بعمرة وتمتع بها فعمرته جزء من الحج، وهو...... بصوم الأيام الثلاثة التي قيل فيها: فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وعمرته قد دخلت في حجته، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" ، كما دخل الوضوء في الغسل غسل الجنابة وغسل [ ص: 327 ] الميت، وتحلله في أثناء الإحرام تحلل من يقصد أنه يحل ثم يحرم بالحج بعد ذلك، لا يجوز له التحلل بدون ذلك، فدخل الحل رحمة من الله. والحاج يتحلل التحلل الأول وقد بقي عليه الطواف والرمي، وإن فعل ذلك بلا إحرام فهو من الحج، لكن من تحلل [بعمرة] لم يبق عليه بعض الحج، بل المتمتع يتحلل أولا حلا تاما، ثم عليه أن يحرم بعد ذلك التحلل الثاني بعد رمي جمرة العقبة، ثم عليه الطواف والرمي وهما من الحج.

وكذلك من ظن أن ظاهر القرآن يخالفه قوله للمبتوتة: "لا نفقة لك ولا سكنى" ، والقرآن لا يدل على إيجاب نفقة وسكنى للمبتوتة أصلا، وإنما المطلقة المذكورة في قوله: إذا طلقتم هي الرجعية كما يدل عليه سياق الكلام، والإنفاق على ذوات الحمل إنما كان لأجل الحمل. ولهذا كان أصح قولي العلماء أن النفقة للحمل نفقة والد على ولده، لا نفقة زوج على زوجته، كما هو مذهب مالك وأحمد في أظهر الروايتين عنه التي اختارها أصحابه، وهو أحد قولي الشافعي. ومن أوجبه للزوجات فإنه لم يخص به الحامل، كما قال من يوجب النفقة للمبتوتة، لم يكن للحمل عنده تأثير. ومن قال: نفقة زوج لأجل الحمل فقوله متناقض غير معقول، والقرآن علق النفقة بالحمل والإرضاع، والمعلق بالإرضاع نفقة والد على ولده باتفاق المسلمين، فكذلك نفقة الحمل، ومن علقها بالزوجية فهو مخالف [ ص: 328 ] للكتاب والسنة.

ونظائر هذا كثيرة مما يظنه بعض الناس أن السنة خالفت فيه ظاهر الكتاب، ولا يكون الأمر كما قاله، بل تكون السنة موافقة لظاهر القرآن. والمقصود هنا ذكر الجمع وذكر القصر تبعا.

فقوله تعالى: أن تقصروا مطلق مجمل قد يراد به قصر العمل والأركان، وذلك لا يجوز إلا في الخوف، فإن المسافر ليس له لأجل سفره أن يقصر عمل الصلاة كما يقصره الخائف، وأما الخائف فيجوز له القصر كما قال تعالى: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك إلى قوله تعالى: فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية