السؤال الثاني: ثم إما أن يكون يحصل بالعبادة ما لم يكن حاصلا، فيكون قبله ناقصا، أو يكون قبل العبادة وبعدها سواء، فسيان عبدوه أو لم يعبدوه. ويتصل ذلك الكلام في حلول الحوادث به، إذا حصل له بالعبادة ما لم يكن حاصلا. أي مقصود له في أن يعبدوه ويحمدوه إذا كان غنيا عن العالمين؟ وهو أحد صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
وهذا السؤال هو الذي منع جمهور متكلمي أهل الإثبات عن التعليل ورد الأصول إلى محض المشيئة، فيقولون في الجواب: غناه عن العالمين لا يمنع أن يحب ويرضى ويفرح، والإيمان به، وعبادته، وشكره، والعمل الصالح، وأن يفرح بتوبة التائب ، لأن هذه الأشياء [ ص: 63 ] إذا وجدت فهو الذي خلقها وأوجدها، فلم يكن في ذلك فقر إلى غيره بوجه من الوجوه.
وأما تجدد هذه العبادات فهو بمنزلة تجدد المسموعات والمرئيات في كونه يسمعها ويراها، فما كان الجواب عن تلك فهو الجواب عن هذه.
كما يقال: إما أن يكون بالسمع والبصر يحصل له إدراك لم يكن، أو لم يحصل؟ فإذا لم يحصل فلا فرق بين وجودها وعدمها، وإن حصل لزم أن يكون قبل ذلك ناقصا، ولزم حلول الحوادث به.
فإذا أجيب عن ذلك بأن ذلك ليس بكمال بالنسبة إليه، أو أن المتجدد هو أمر عدمي لا أمر ثبوتي، وقنع العقل بذلك الجواب، فهو الجواب هنا.
وإن قيل: الكمال أن يكون بحيث يسمع ويبصر كل ما يحدث من مسموع ومرئي.
قيل: والكمال أن يكون يحب ويفرح بكل ما يحدث من محبوب ومرضي ومفروح به.
وإذا قيل: ليس ثبوت هذا الإدراك بمنزلة حلول الحوادث بالمخلوق التي تستلزم حدوثه وإمكانه.
قيل: وليس ثبوت هذه الأحوال المتعلقة بالإدراك- من المحبة [ ص: 64 ] والرضا والفرح والغضب- بمنزلة حلول الحوادث بالمخلوق، التي تستلزم حدوثه وإمكانه.