فصل
وهذا الذي ذكرناه من أن فهو كما لو أخرها إلى آخر الوقت المختص، فلو قدر أن الحائض طهرت والنائم استيقظ والكافر أسلم بعد دخول وقت العصر المختص فإنهم يصلون الظهر والعصر في وقتها، ولا يقال: إن الظهر صلوها بعد خروج الوقت. وكذلك من قدم العصر إلى وقت الظهر، وصلى العشاء وقت المغرب جمعا للمطر لم يحتج أن ينوي الجمع، سواء كان إماما أو مأموما أو منفردا. وهذا قول جمهور العلماء الوقت مشترك عند العذر إلى آخر وقت العصر فقد صلى في وقتها، كمالك حيث يجوز الجمع، وهو المعروف عن وأبي حنيفة في أجوبته، لم يوجب النية في ذلك ولا جمهور قدماء أصحابه أحمد بن حنبل كأبي بكر وغيره، لكن ومتبعوه الخرقي وغيره أوجبوا في الجمع النية، وهذا قول كالقاضي أبي يعلى وأما الشافعي. فلا أصل لهذا في كلامه ولا في كلام جمهور الفقهاء من أصحابه، كما هو مذهب أحمد مالك وغيرهما، وهذا هو الصواب، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جمع بأصحابه وأبي حنيفة بعرفة لم يكونوا يعرفون أنه يصلي العصر بعد الظهر، ولا قال حين صلوا الظهر: إنكم تجمعون إليها العصر. وكذلك لما جمع بهم بالمدينة فصلى سبعا جمعا وثمانيا جمعا لم يقل لهم: انووا الجمع. وكذلك لما كان يقصر بهم لا يأمرهم بنية القصر، بل قد لا يعرفون ذلك حتى يقصر.
ولهذا قد ثبت في حديث ذي اليدين ذو اليدين: أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ وقال: "لم أنس ولم تقصر الصلاة"، قال: بل نسيت يا رسول الله، قال: "أكما يقول ذو اليدين؟ "، قالوا: نعم، الحديث. فلما أقره على قوله: أنه لما صلى بهم الظهر أو [ ص: 350 ] العصر ركعتين قال له ولم يقل: كيف تقصر ولم آمركم بنية القصر دل على أنه كان ممكنا أن يقصر من غير أن ينوي القصر. أقصرت الصلاة أم نسيت، وقال: لم أنس ولم تقصر،
وأيضا فيقال: الجامع وإن لم يكن وقتها فمجرد النية لا يبيح الصلاة في غير وقتها، ولهذا لو نوى الجمع حيث لا يجوز لم تفده النية شيئا، فإذا قدر أن المصلي بعرفة صلى الظهر، ولم يخطر بقلبه إذ ذاك أنه يصلي معها العصر، فمعلوم أن ما بعد صلاة الظهر هو وقت العصر في حقه، فلا فرق بين أن يصليها في ذلك الوقت مع نيته ذلك عند صلاة الظهر أو لا، وأي تأثير للجواز إذا نوى ذلك عند صلاة الظهر؟ وكذلك من يجوز له أن يصلي العشاء مع المغرب للمطر فأي تأثير لنيته في ذلك عند صلاة المغرب؟ إن كان مصليا للصلاة في وقتها الذي يجوز فعلها فيه فقد جاز، سواء نوى الجمع أو لم ينوه،
ثم هذا الشرط يكدر مقصود الرخصة، فإن الناس متلاحقون بعد شروع الإمام، ولا يعرفون أنه نوى الجمع، فلو لم يجز الجمع إلا لمن نواه فات كثيرا منهم رخصة الجمع، أو لزم أن يوكل الإمام من يقول لكل من يدخل: انو الجمع. وهذا مع ما فيه من البدعة والحرج المتيقن بالشرع ففيه إبطال الصلاة في الجماعة على ذلك المعلم.
وكذلك الموالاة بين الصلاتين، وقد أوجبها ومن وافقه [ ص: 351 ] من أصحاب الشافعي وقد نص أحمد، على أن أحمد في السفر جاز، وجعله بذلك جامعا. وليس مراده الأبيض، فإن الوقت يدخل في حق المسافر بغروب الشفق الأحمر عنده بلا ريب، وكذلك الحاضر، وإنما اختار للحاضر أن يؤخرها إلى مغيب الأبيض ليتيقن مغيب الشفق الأحمر عنده بلا ريب، لأن الجدران تواري الحمرة في الحضر دون السفر، وإن جوز أن يصلي قبل مغيب الأحمر في السفر، لأن المسافر يجوز له الجمع، فلو أراد أن يصليها عقيب المغرب جاز، فإذا أخرها كان أولى بالجواز، لأنه أقرب إلى الوقت المختص، فكيف يسوغ أن يقال: يصلي في الوقت البعيد عن وقتها المختص دون المشترك. المسافر إذا صلى العشاء قبل غروب الشفق
وإذا قال قائل: إن ذلك لا يسمى جمعا إلا مع الاقتران.
قيل: هذا لا يجوز الاحتجاج به لوجهين:
أحدهما: أن الشارع لم يعلق الحكم بهذا اللفظ ولا معناه، ولكن دل الشرع على جوازه.
الثاني: أن الجمع سمي بذلك، لأنه جمع بينهما في وقت إحداهما المختص، لا لاقتران الفصل، بدليل أنه لو جمع في وقت الثانية لم يجز الاقتران بلا ريب، بل له أن يصلي الأولى في أول الوقت والثانية في آخره. وقد صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة جمع المغرب قبل إناخة الرحال، ثم أناخوها، ثم صلى العشاء بعد ذلك بفصل بينهما. [ ص: 352 ]