( فمن تطوع خيرا فهو خير له ) أي : من زاد على مقدار الفدية في الطعام للمسكين ، قاله مجاهد ، وعلى عدد من يلزمه إطعامه ، فيطعم مسكينين فصاعدا ، قاله ، ابن عباس ، وطاوس وعطاء ، والسدي . أو جمع بين الإطعام والصوم ، قاله ابن [ ص: 38 ] شهاب .
وانتصاب ( خيرا ) على أنه مفعول على إسقاط الحرف ، أي : بخير ، لأن تطوع لا يتعدى بنفسه ، ويحتمل أن يكون ضمن تطوع معنى فعل متعد ، فانتصب خيرا على أنه مفعول به ، وتقديره : ومن فعل متطوعا خيرا ، ويحتمل أن يكون انتصابه على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : تطوعا خيرا ، ودل وصف المصدر بالخيرية على خيرية المتطوع به ، وتقدم ذكر قراءة من قرأ " يطوع " ، فجعله مضارع اطوع ، وأصله " تطوع " فأدغم ، واجتلبت همزة الوصل . ويلزم في هذه القراءة أن تكون - من - شرطية ، ويجوز ذلك في قراءة من جعله فعلا ماضيا ، والضمير في - فهو - عائد على المصدر المفهوم من " تطوع " ، أي : فالتطوع خير له ، نحو قوله : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) أي : العدل ، وخير خبر لهو ، وهو هنا أفعل التفضيل ، والمعنى : أن الزيادة على الواجب ، إذا كان يقبل الزيادة ، خير من الاقتصار عليه ، وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير ، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم ، وظاهر التطوع : التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك ، وأن الفعل أفضل . ولا خلاف في ذلك ، فلو شرع فيه ثم أفسده ، لزمه القضاء عند أبي حنيفة ، ولا قضاء عليه عند . الشافعي
( وأن تصوموا خير لكم ) ، وقرأ أبي : والصوم خير لكم . هكذا نقل عن ابن عطية . ونقل : أن قراءته : والصيام خير لكم ، والخطاب للمقيمين المطيقين الصوم ، أي : خير لكم من الفطر والفدية ، أو للمريض والمسافر ، أي : خير لكم من الفطر والقضاء ، أو : لمن أبيح له الفطر من الجميع . أقوال ثلاثة . وأبعد من ذهب إلى أنه متعلق بأول الآية ، وهو ( الزمخشري ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام ) أي : وأن تصوموا ذلك المكتوب خير لكم ، والظاهر الأول ، وفيه حض على الصوم .
( إن كنتم تعلمون ) من ذوي العلم والتمييز ، ويجوز أن يحذف اختصارا لدلالة الكلام عليه أي : ما شرعته وبينته لكم من أمر دينكم ، أو فضل أعمالكم وثوابها ، أو كنى بالعلم عن الخشية أي : تخشون الله : لأن العلم يقتضي خشيته ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) .