( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله ) ، هذا نهي عن حلق الرأس مغيا ببلوغ الهدي محله ، ومفهومه : إذا بلغ الهدي محله فاحلقوا رءوسكم . والضمير في " تحلقوا " يحتمل أن يعود على المخاطبين بالإتمام ، فيشمل المحصر وغيره ، ويحتمل أن يعود على المحصرين ، وكلا الاحتمالين قال به قوم ، وأن يكون خطابا للمحصرين ، هو قول ، قال : أي : لا تحلوا حتى تعلموا أن الهدي الذي بعثتموه إلى الزمخشري الحرم بلغ محله ، أي : مكانه الذي يجب نحره فيه ، ومحل الدين وقت وجوب قضائه ، وهو على ظاهر مذهب أبي حنيفة ، انتهى كلامه .
وكأنه رجح كونه للمحصرين : لأنه أقرب مذكور ، وظاهر قول ابن عطية أنه يختار أن يكون الخطاب لجميع الأمة ، محصرا كان المحرم أو مخلى : لأنه قدم هذا القول ، ثم حكى القول الآخر ، قال : ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة في قوله : ( ولا تحلقوا رءوسكم ) ، مجاز في الفاعل وفي المفعول ، أما في الفاعل ففي إسناد الحلق إلى الجميع ، وإنما يحلق بعضهم رأس بعض ، وهو مجاز شائع كثير ، تقول : حلقت رأسي ، والمعنى أن غيره حلقه له ، وأما المجاز في المفعول ، فالتقدير : شعر رءوسكم ، فهو على حذف مضاف ، والخطاب يخص الذكور ، والحلق للنساء مثله في الحج وغيره ، وإنما التقصير سنتهن في الحج .
وخرج أبو داود ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " ابن عباس " . وأجمع أهل العلم على القول به ، واختلفوا في مقدار ما يقصر من شعرها على تقادير كثيرة ذكرت في الفقه ، ولم تتعرض هذه الآية للتقصير فنتعرض نحن له هنا ، وإنما استطردنا له من قوله : ( ليس على النساء حلق ، إنما عليهن التقصير ولا تحلقوا ) . وظاهر النهي : الحظر والتحريم حتى يبلغ الهدي محله ، فلو نسي فحلق قبل النحر ، فقال أبو حنيفة ، : هو كالعامد ، وقال وابن الماجشون ابن القاسم : لا شيء عليه ، أو تعمد ، فقال أبو حنيفة ، ومالك : لا يجوز . وقال : يجوز . قالوا : وهو مخالف لظاهر الآية . الشافعي
ودلت الآية على أن من النسك في الحج حلق الرأس ، فيدل ذلك على جوازه في غير الحج ، خلافا لمن قال : إن حلق الرأس في غير الحج مثلة : لأنه لو كان مثلة لما جاز ، لا في الحج ولا غيره .
وقد روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حلق رءوس بني جعفر بعد أن أتاه خبر قتله بثلاثة أيام ، وكان علي يحلق ، وقال : أجمع العلماء على إباحة الحلق ، وظاهر عموم : ( أبو عمرو بن عبد البر ولا تحلقوا ) ، أو خصوصه بالمحصرين أن الحلق في حقهم نسك ، وهو قول مالك ، وأبو يوسف .
وقال أبو حنيفة ، ومحمد : لا حلق على [ ص: 75 ] المحصر ، والقولان عن . ( الشافعي حتى يبلغ الهدي محله ) : حيث أحصر من حل أو حرم ، قاله عمر ، ، والمسور بن مخرمة ، أو المحرم ، قاله ومروان بن الحكم علي ، ، وابن مسعود ، وابن عباس وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وتفسيرهم يدل على أن المحل هنا المكان ، ولم يقرأ إلا بكسر الحاء . فيما علمنا ، ويجوز الفتح ، أعني إذا كان يراد به المكان ، وفرق هنا ، فقال : الكسر هو الإحلال من الإحرام ، والفتح هو موضع الحلول من الإحصار ، وقد تقدم طرف من القول في محل الهدي ، ولم تتعرض الآية لما على المحصر في الحج إذا تحلل بالهدي ، فعن النسيء عليه حجة ، وقال الكسائي الحسن ، ، وابن سيرين وإبراهيم ، وعلقمة ، والقاسم ، فيما روى عنه وابن مسعود مجاهد ، ، فيما روى عنه وابن عباس ابن جبير : عليه حجة وعمرة ، فإن جمع بينهما في أشهر الحج فعليه دم وهو متمتع ، وإن لم يجمعهما في أشهر الحج فلا دم عليه ، فإن كان المحصر بمرض أو عدو ، محرما بحج تطوع ، أو بعمرة تطوع ، وحل بالهدي فعليه القضاء عند أبي حنيفة ، وقال مالك ، : لا قضاء على من أحصر بعدو لا في حج ولا في عمرة . والشافعي