أخذته عزة من جهله فتولى مغضبا فعل الضجر
وعلى أن تكون " الباء " سببية فسره الحسن ، قال : أي من أجل الإثم الذي في قلبه ، يعني الكفر . وقد فسرت العزة بالقوة وبالحمية والمنعة ، وكلها متقاربة . وفي قوله : ( أخذته العزة بالإثم ) نوع من البديع يسمى التتميم ، وهو إرداف الكلام بكلمة ترفع عنه اللبس ، وتقربه للفهم ، كقوله تعالى : ( ولا طائر يطير بجناحيه ) ، وذلك أن العزة محمودة ومذمومة ، فالمحمودة طاعة الله ، كما قال : ( أعزة على الكافرين ) ، ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ) ، ( فإن العزة لله جميعا ) ، فلما قال " بالإثم " اتضح المعنى وتم ، وتبين أنها العزة المذمومة المؤثم صاحبها .
قال : لا ينبغي للرجل أن يغضب إذا قيل له اتق الله ، أو تقول : أولمثلي يقال هذا ؟ وقيل ابن مسعود لعمر : اتق الله ، فوضع خده على الأرض تواضعا ، وقيل : سجد ، وقال : هذا مقدرتي . وتردد يهودي إلى باب سنة ، فلم يقض له حاجة ، فتحيل حتى وقف بين يديه ، فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين ، فنزل هارون الرشيد هارون عن دابته ، وخر ساجدا ، وقضى حاجته ، فقيل له في ذلك ، فقال : تذكرت قوله تعالى : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) .
( فحسبه جهنم ) ، أي : كافيه جزاء وإذلالا جهنم ، وهي جملة مركبة من مبتدأ وخبر ، وذهب بعضهم إلى أن جهنم فاعل " فحسبه " : لأنه جعله اسم فعل ، إما بمعنى الفعل الماضي ، أي : كفاه جهنم ، أو بمعنى فعل الأمر ، ودخول حرف الجر عليه واستعماله صفة ، وجريان حركات الإعراب عليه يبطل كونه اسم فعل وقوبل على اعتزازه بعذاب جهنم ، وهو الغاية في الذل ، ولما كان قوله " اتق الله " حل به ما أمر أن يتقيه ، وهو عذاب الله ، وفي قوله " فحسبه جهنم " استعظام لما حل به من العذاب ، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك إذا استعظمت وعظمت عليه ما حل به .
( ولبئس المهاد ) تقدم الكلام في " بئس " [ ص: 118 ] والخلاف في تركيب مثل هذه الجملة مذكور في علم النحو ، لكن التفريع على مذهب البصريين في أن بئس ونعم فعلان جامدان ، وأن المرفوع بعدهما فاعل بهما ، وأن المخصوص بالذم ، إن تقدم فهو مبتدأ ، وإن تأخر فكذلك ، هذا مذهب . وحذف هنا المخصوص بالذم للعلم به إذ هو متقدم ، والتقدير : ولبئس المهاد جهنم . أو هي ، وبهذا الحذف يبطل مذهب من زعم أن المخصوص بالمدح أو بالذم إذا تأخر كان خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر : لأنه يلزم من حذفه حذف الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء : لأنها تبقى جملة مفلتة من الجملة السابقة قبلها ، إذ ليس لها موضع من الإعراب ، ولا هي اعتراضية ولا تفسيرية : لأنهما مستغنى عنهما وهذه لا يستغنى عنها ، فصارت مرتبطة غير مرتبطة ، وذلك لا يجوز . وإذا جعلنا المحذوف من قبيل المفرد . كان فيما قبله ما يدل على حذفه ، وتكون جملة واحدة ، كحاله إذا تقدم ، وأنت لا ترى فرقا بين قولك : زيد نعم الرجل ، ونعم الرجل زيد ، كما لا تجد فرقا بين : زيد قام أبوه ، وبين : قام أبو زيد ، وحسن حذف المخصوص بالذم هنا كون المهاد وقع فاصلة ، وكثيرا ما حذف في القرآن لهذا المعنى نحو قوله : ( سيبويه فنعم المولى ونعم النصير ) ، ( فلبئس مثوى المتكبرين ) ، وجعل ما أعد لهم مهادا على سبيل الهزء بهم ، إذ المهاد هو ما يستريح به الإنسان ويوطأ له للنوم ، ومثله قول الشاعر :
وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع
أي : القائم مقام التحية هو الضرب الوجيع ، وكذلك القائم مقام المهاد لهم هو المستقر في النار .