( وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ) ، عسى هنا للترجي ، ومجيؤها له هو الكثير في لسان العرب ، وقالوا : كل عسى في القرآن للتحقيق ، يعنون به الوقوع ، إلا قوله تعالى : ( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا ) ، واندرج في قوله " شيئا " الخلود إلى الراحة وترك القتال ؛ لأن ذلك محبوب بالطبع ؛ لما في ذلك من ضد ما قد يتوقع من الشر في القتال ، والشر الذي فيه هو ذلهم ، وضعف أمرهم ، واستئصال شأفتهم ، وسبي ذراريهم ، ونهب أموالهم ، وملك بلادهم . والكلام على هذه إعرابا ، كالكلام على التي قبلها . ( والله يعلم ) ما فيه المصلحة ؛ حيث كلفكم القتال ، ( وأنتم لا تعلمون ) ما يعلمه الله تعالى ؛ لأن عواقب الأمور مغيبة عن علمكم ، وفي هذا الكلام تنبيه على الرضى بما جرت به المقادير ، قال الحسن : لا تكرهوا الملمات الواقعة ؛ فلرب أمر تكرهه فيه أربك ، ولرب أمر تحبه فيه عطبك ، وقال أبو سعيد الضرير :
رب أمر تتقيه جر أمرا ترتضيه
خفي المحبوب منه وبدا المكروه فيه
وقال الوضاحي :
ربما خير الفتى وهو للخير كاره
وقال ابن السرحان :
كم فرحة مطوية لك بين أثناء المصائب
ومسرة قد أقبلت من حيث تنتظر النوائب
وقال آخر :
كم مرة حفت بك المكاره خار لك الله وأنت كاره