( وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) ، تقدم تفسير هذه الجملة ، فأغنى عن إعادته ، وهذه الجملة يحتمل أن تكون ابتداء إخبار من الله تعالى بخلود هؤلاء في النار ؛ فلا تكون داخلة في الجزاء ، وتكون معطوفة على الجملة الشرطية ، ويحتمل أن تكون معطوفة على قوله : ( فأولئك حبطت أعمالهم ) ؛ فتكون داخلة في الجزاء ؛ لأن المعطوف على الجزاء جزاء ، وهذا الوجه أولى ؛ لأن القرب مرجح ، وترجح الأول بأنه يقتضي الاستقلال . ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله ) ، سبب نزولها أن عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله هب أنه عقاب علينا فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجرا وثوابا ؟ فنزلت ؛ لأن عبد الله كان مؤمنا وكان مهاجرا ، وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهدا ، ثم هي عامة في من اتصف بهذه الأوصاف . وقال إن الزمخشري عبد الله بن جحش وأصحابه ، حين قتلوا الحضرمي ، ظن قوم أنهم إن سلموا من الإثم فليس لهم أجر ؛ فنزلت . انتهى كلامه . [ ص: 152 ] وهو كالأول ، إلا أنه اختلف في الظان ، ففي الأول ابن جحش ، وفي قول قوم ؛ وعلى هذا السبب فمناسبة هذه الآية لما قبلها واضحة . وقيل : لما أوجب الجهاد بقوله : ( الزمخشري كتب عليكم القتال ) ، وبين أن تركه سبب للوعيد ؛ أتبع ذلك بذكر من يقوم به ، ولا يكاد يوجد وعيد إلا ويتبعه وعد ، وقد احتوت هذه الجملة على ثلاثة أوصاف ، وجاءت مرتبة بحسب الوقائع والواقع ؛ لأن الإيمان أولها ، ثم المهاجرة ، ثم الجهاد في سبيل الله ، ولما كان الإيمان هو الأصل أفرد به موصول وحده ، ولما كانت الهجرة والجهاد فرعين عنه أفردا بموصول واحد ؛ لأنهما من حيث الفرعية كالشيء الواحد . وأتى خبر " إن " جملة مصدرة بـ " أولئك " ؛ لأن اسم الإشارة هو المتضمن الأوصاف السابقة من الإيمان والهجرة والجهاد ، وليس تكريرا لموصول بالعطف مشعرا بالمغايرة في الذوات ، ولكنه تكرير بالنسبة إلى الأوصاف ، والذوات هي المتصفة بالأوصاف الثلاثة ، فهي ترجع لمعنى عطف الصفة بعضها على بعض للمغايرة ؛ لأن الذين آمنوا صنف وحده ، مغاير للذين هاجروا وجاهدوا ، وأتى بلفظة " يرجون " لأنه ما دام المرء في قيد الحياة لا يقطع أنه صائر إلى الجنة ، ولو أطاع أقصى الطاعة ؛ إذ لا يعلم بما يختم له ، ولا يتكل على عمله ؛ لأنه لا يعلم أقبل أم لا ، وأيضا فلأن المذكورة في الآية ثلاثة أوصاف ، ولا بد مع ذلك من سائر الأعمال ، وهو يرجو أن يوفقه الله لها كما وفقه لهذه الثلاثة ، فلذلك قال : " فأولئك يرجون " ، أو يكون ذكر الرجاء لما يتوهمون أنهم ما وفوا حق نصرة الله في الجهاد ، ولا قضوا ما لزمهم من ذلك ، فهم يقدمون على الله مع الخوف والرجاء ، كما قال تعالى : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) .
وروي عن قتادة أنه قال : هو لأخيار هذه الأمة ، ثم جعلهم الله أهل رجاء ، كما يسمعون . وقيل : الرجاء دخل هنا في كمية الثواب ووقته ، لا في أصل الثواب ؛ إذ هو مقطوع متيقن بالوعد الصادق ، و " رحمت " هنا كتب بالتاء على لغة من يقف عليها بالتاء هنا ، أو على اعتبار الوصل ؛ لأنها في الوصل تاء ، وهي سبعة مواضع كتبت " رحمت " فيها بالتاء : أحدها هذا ، وفي الأعراف : ( إن رحمت الله قريب ) ، وفي هود : ( رحمت الله وبركاته ) ، وفي مريم : ( ذكر رحمة ربك ) ، وفي الزخرف : ( أهم يقسمون رحمت ربك ) ، ( ورحمت ربك خير مما يجمعون ) ، وفي الروم : ( فانظر إلى آثار رحمت الله ) .