قال : ومن فسر العلم هنا بالظن فقد وهم من طريق اللفظ ، والمعنى : لأنك لا تقول : علمت أن يقوم زيد ، ولكن : علمت أنه يقوم زيد ؛ ولأن الإنسان لا يعلم ما في الغد ، وإنما يظن ظنا . انتهى كلامه . وما ذكره من أنك لا تقول علمت أن يقوم زيد ، قد قاله غيره ، قالوا : إن " أن " الناصبة للمضارع لا يعمل فيها فعل تحقيق ، نحو : العلم واليقين والتحقيق ، وإنما يعمل في أن المشددة ، قال الزمخشري أبو علي الفارسي في ( الإيضاح ) : ولو قلت : علمت أن يقوم زيد ، فنصبت الفعل بـ " أن " لم يجز ؛ لأن هذا من مواضع " أن " ؛ لأنها مما قد ثبت واستقر ، كما أنه لا يحسن : أرجو أنك تقوم ، وظاهر كلام أبي علي الفارسي مخالف لما ذكره من أن يجوز أن تقول : ما علمت إلا أن يقوم زيد ، فأعمل " علمت " في " أن " . قال بعض أصحابنا : ووجه الجمع بينهما أن " علمت " قد تستعمل ويراد بها العلم القطعي ، فلا يجوز وقوع " أن " بعدها كما ذكره سيبويه الفارسي ، وقد تستعمل ويراد بها الظن القوي ، فيجوز أن يعمل في " أن " . ويدل على استعمالها ولا يراد بها العلم القطعي قوله : ( فإن علمتموهن مؤمنات ) ، فالعلم هنا إنما يراد به الظن القوي ؛ لأن القطع بإيمانهن غير متوصل إليه ، وقول الشاعر :
وأعلم علم حق غير ظن وتقوى الله من خير المعاد
[ ص: 204 ] فقوله " علم حق " يدل على أن العلم قد يكون غير علم حق ، وكذلك قوله " غير ظن " يدل عليه أنه يقال : علمت وهو ظان ؛ ومما يدل على صحة ما ذكره من أن " علمت " قد يعمل في " أن " إذا أريد بها غير العلم القطعي . قول سيبويه جرير :
نرضى عن الله أن الناس قد علموا أن لا يدانينا من خلقه بشر
فأتى بأن الناصبة للفعل بعد علمت . انتهى كلامه . وثبت بقول جرير وتجويز أن " علم " تدخل على أن الناصبة ؛ فليس بوهم ، كما ذكر سيبويه من طريق اللفظ . وأما قوله : لأن الإنسان لا يعلم ما في غد ، وإنما يظن ظنا ؛ ليس كما ذكر ، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرة مما يكون في الغد ، ويجزم بها ولا يظنها . والفاء في " فلا تحل " جواب الشرط ، و " له " و " من بعد " و " حتى " ثلاثتها تتعلق بتحل ، واللام : معناها التبليغ ، ومن : ابتداء الغاية ، وحتى : للتعليل . وبني لقطعه عن الإضافة ؛ إذ تقديره من بعد الطلاق الثالث ، وزوجا أتي به للتوطئة أو للتقييد ، أظهرهما الثاني ؛ فإن كان للتوطئة لا للتقييد فيكون ذكره على سبيل الغلبة ؛ لأن الإنسان أكثر مما يتزوج الحرائر ، ويصير لفظ الزوج كالملغى ؛ فيكون في ذلك دلالة على أن الزمخشري ؛ حل للأول نكاحها ؛ إذ لفظ الزوج ليس بقيد . وإن كان للتقييد - وهو الظاهر - فلا يحللها وطء سيدها . والفاء في " فلا جناح " جواب الشرط قبله ، و " عليهما " في موضع الخبر ، أما المجموع " جناح " ؛ إذ هو مبتدأ على رأي الأمة إذا بت طلاقها ووطئها سيدها ، وإما على أنه خبر " لا " على مذهب سيبويه أبي الحسن ، و ( أن يتراجعا ) أي : في أن يتراجعا ، والخلاف بعد حذف " في " أبقى " أن " مع ما بعدها في موضع نصب ، أم في موضع جر ؟ تقدم لنا ذكره . و ( أن يقيما ) في موضع المفعولين سد مسدهما ؛ لجريان المسند والمسند إليه في هذا الكلام على مذهب ، والمفعول الثاني محذوف على مذهب سيبويه أبي الحسن ، وأبي العباس .