( ولكن اختلفوا ) هذا الاستدراك واضح ؛ لأن ما قبلها ضد لما بعدها ؛ لأن المعنى : لو شاء الاتفاق لاتفقوا ، ولكن شاء الاختلاف فاختلفوا .
( فمنهم من آمن ومنهم من كفر ) من آمن بالتزامه دين الرسل واتباعهم ، ومن كفر بإعراضه عن اتباع الرسل حسدا وبغيا واستئثارا بحطام الدنيا . ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) قيل : الجملة تكررت توكيدا للأولى ، قاله . وقيل : لا توكيد لاختلاف المشيئتين ، فالأولى : ولو شاء الله أن يحول بينهم وبين القتال بأن يسلبهم القوى والعقول ، والثانية : ولو شاء الله أن يأمر المؤمنين بالقتال ، ولكن أمر وشاء أن يقتتلوا ، وتعلق بهذه الآية مثبتو [ ص: 275 ] القدر ونافوه ، ولم يزل ذلك مختلفا فيه حتى كان الأعشى في الجاهلية نافيا حيث قال : الزمخشري
استأثر الله بالوفاء وبالـ عدل وولى الملامة الرجلا
وكان لبيد مثبتا حيث قال :
من هداه سبل الخير اهتدى ناعم البال ومن شاء أضل
( ولكن الله يفعل ما يريد ) هذا يدل على أن ما أراد الله فعله فهو كائن لا محالة ، وإن إرادة غيره غير مؤثرة ، وهو تعالى المستأثر بسر الحكمة فيما قدر وقضى من خير وشر ، وهو فعله تعالى . وقال : ولكن الله يفعل ما يريد من الخذلان والعصمة ، وهذا على طريقة الاعتزالية . قيل : وتضمنت هذه الآية الكريمة من أنواع البلاغة التقسيم ، في قوله : ( الزمخشري منهم من كلم الله ) بلا واسطة ، ومنهم من كلمه بواسطة ، وهذا التقسيم اقتضاه المعنى ، وفي قوله ( فمنهم من آمن ومنهم من كفر ) وهذا التقسيم ملفوظ به . والاختصاص مشارا إليه ومنصوصا عليه ، والتكرار في لفظ البينات ، وفي ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) على أحد التأويلين . والحذف ، في قوله ( منهم من كلم الله ) أي : كفاحا ، وفي قوله ( يفعل ما يريد ) يعني من هداية من شاء وضلالة من شاء .