آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس
وحبة القلب سويداؤه ، والحبة بكسر الحاء بذور البقل مما ليس بقوت ، والحبة بالضم الحب والحب الحبيب . الإنبات : الإخراج على سبيل التولد . السنبلة : معروفة ، ووزنها فنعلة ، فالنون زائدة بذلك على قولهم : أسبل الزرع أرسل ما فيه كما ينسبل الثوب ، وحكى بعض اللغويين سنبل الزرع . قال بعض أصحابنا : النون أصلية ، ووزنه فعلل ؛ لأن فنعل لم يثبت فيكون مع أسبل كسبط وسبطر .
المن : ما يوزن به ، والمن قدر الشيء ووزنه ، والمن والمنة النعمة ، من عليه أنعم . ومن أسمائه تعالى : المنان ، والمن النقص من الحق والبخس له ، ومنه المن المذموم ، وهو ذكر المنة للمنعم عليه على سبيل الفخر عليه بذلك ، والاعتداد عليه بإحسانه ، وأصل المن القطع ؛ لأن المنعم يقطع قطعة من ماله لمن ينعم عليه . الغني ، فعيل للمبالغة من غنى وهو الذي لا حاجة له إلى أحد كما قال الشاعر :
كلانا غني عن أخيه حياته
ويقال : غني أقام بالمكان ، والغانية هي التي غنيت بحسنها عن التحسن . الرئاء : فعال مصدر من راء من الرؤية ، ويجوز إبدال همزته ياء لكسرة ما قبلها ، وهو أن يرى الناس ما يفعله من البر حتى يثنوا عليه ويعظموه بذلك لا نية له غير ذلك .
الصفوان : الحجر الكبير الأملس ، وتحريك فائه بالفتح لغة ، وقيل : هو اسم جنس واحده صفوانة . وقال : الصفوان واحده صفي ، وأنكره الكسائي وقال : صفي جمع صفا نحو : عصا وعصي ، وقفا وقفي . وقال المبرد أيضا : صفوان واحد ، وجمعه صفوان بكسر الصاد . وقاله الكسائي النحاس : يجوز أن يكون المكسور الصاد واحدا . وما قاله غير صحيح ، بل صفوان جمع لصفا . كورل وورلان ، وأخ وإخوان . وكرى وكروان . الكسائي
التراب : معروف ويقال فيه توراب ، وترب الرجل افتقر ، واترب استغنى ، الهمزة فيه للسلب ، أي : زال عنه الترب وهو الفقر ، وإذا زال عنه كان غنيا . الوابل : المطر الشديد ، وبلت السماء تبل ، والأرض موبولة . وقال النضر : أول ما يكون المطر رشا ، ثم طسا ، ثم طلا ، ورذاذا ، ثم نضحا وهو قطرتين قطرتين ، ثم هطلا وتهتانا ، ثم وابلا وجودا . والوبيل : الوخيم ، والوبيل : العصا الغليظة ، والوبيلة حزمة الحطب . الصلد : الأجرد الأملس النقي من التراب الذي كان عليه ، ومنه صلد جبين الأصلع برق . يقال : صلد يصلد صلدا ، بتحريك اللام فهو صلد بالإسكان . وقال النقاش : الصلد الأجرد بلغة هذيل . وحكى : أن الصلد هو اللين من الحجارة . وقال أبان بن تغلب علي بن عيسى : الصلد ، الخالي من الخير من الحجارة والأرضين وغيرهما ، ومنه : قدر صلود : بطيئة الغليان .
الربوة : قال الخليل : أرض مرتفعة طيبة ، ويقال فيها : الرباوة ، وتثلث الراء في اللغتين ، ويقال : رابية . قال الشاعر :
وغيث من الوسمي حو تلاعه أجابت روابيه النجا وهواطله
وقال الأخفش : ويختار الضم في ربوة ؛ لأنه لا يكاد يسمع في الجمع إلا الربا ، وأصله من ربا الشيء زاد وارتفع . وتفسير بأنها : ما انخفض من الأرض ليس بشيء . الطل : المستدق من القطر الخفيف ، هذا مشهور اللغة . وقال قوم ، منهم السدي مجاهد : الطل الندى ، وهذا تجوز . وفي ( الصحاح ) : الطل [ ص: 303 ] أضعف المطر ، والجمع طلال ، يقال : طلت الأرض وهي مطلول ، قال الشاعر :
ولما نزلنا منزلا طله الندى
ويقال أيضا : أطلها الندى ، والطلة الزوجة .
النخيل : اسم جمع أو جمع تكسير ، كنخل اسم الجنس ، كما قالوا : كلب وكليب . قال الراغب : سمي بذلك ؛ لأنه منخول الأشجار وصفوها ، وذلك أنه أكرم ما ينبت ، لكونه مشبها للحيوان في احتياج الأنثى منه إلى الفحل في التذكير ، أي : التلقيح ، وأنه إذا قطع رأسه لم يثمر . العنب : ثمر الكرم ، وهو اسم جنس ، واحده عنبة ، وجمع على أعناب ، ويقال : عنباء بالمد غير منصرف على وزن سيراء في معنى العنب . الإعصار : ريح شديدة ترتفع فيرتفع معها غبار إلى السماء يسميها العامة الزوبعة ، قاله ، وقيل : الريح السموم التي تقتل ، سميت بذلك ؛ لأنها تعصر السحاب ، وجمعها أعاصير . الزجاج
الاحتراق : معروف وفعله لا يتعدى ، ومتعديه رباعي ، تقول : أحرقت النار الحطب والخبز ، وحرق ناب الرجل ، ثلاثي لازم ، إذا احتك بغيره غيظا ، ومتعد تقول : حرق الرجل نابه ، حكه بغيره من الغيظ . قال الشاعر :
أبى الضيم والنعمان يحرق نابه عليه فأفضى والسيوف معاقله
قرأناه برفع الناب ونصبه .
( أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة ) مناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه لما ذكر قصة المار على قرية وقصة إبراهيم ، وكانا من أدل دليل على البعث ، ذكر ما ينتفع به يوم البعث ، وما يجد جدواه هناك ، وهو الإنفاق في سبيل الله ، كما أعقب قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت بقوله : ( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ) وكما أعقب قتل داود جالوت ، وقوله : ( ولو شاء الله ما اقتتلوا ) بقوله : ( ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ) فكذلك أعقب هنا ذكر الإحياء والإماتة بذكر النفقة في سبيل الله ؛ لأن ثمرة النفقة في سبيل الله إنما تظهر حقيقة يوم البعث : ( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ) واستدعاء النفقة في سبيل الله مذكر بالبعث ، وخاض على اعتقاده ؛ لأنه لو لم يعتقد وجوده لما كان ينفق في سبيل الله ، وفي تمثيل النفقة بالحبة المذكورة إشارة أيضا إلى البعث ، وعظيم القدرة ، إذ حبة واحدة يخرج الله منها سبعمائة حبة ، فمن كان قادرا على مثل هذا الأمر العجاب فهو قادر على إحياء الموات ، وبجامع ما اشتركا فيه من التغذية والنمو .
ويقال : لما ذكر المبدأ والمعاد ، ودلائل صحتها ، أتبع ذلك ببيان الشرائع والأحكام والتكاليف ، فبدأ بإنفاق الأموال في سبيل الله ، وأمعن في ذلك ، ثم انتقل إلى كيفية تحصيل الأموال بالوجه الذي يجوز شرعا . ولما أجمل في ذكر التضعيف في قوله : ( أضعافا كثيرة ) وأطلق في قوله : ( أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ) فصل في هذه الآية ، وقيد بذكر المشبه به ، وما بين الآيات دلالة على قدرته على الإحياء والإماتة ، إذ لولا ذلك لم يحسن التكليف كما ذكرناه ، فهذه وجوه من المناسبة والمثل هنا الصفة ، ولذلك قال : ( كمثل حبة ) أي : كصفة حبة ، وتقدير زيادة الكاف ، أو زيادة مثل ، قول بعيد ، وهذه الآية شبيهة في تقدير الحذف بقوله : ( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق ) فيحتمل أن يكون الحذف من الأول ، أي : مثل منفق الذين ، أو من الثاني : أي كمثل زارع حتى يصح التشبيه ، أو من الأول ومن الثاني باختلاف التقدير ، أي : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ومنفقهم ، كمثل حبة وزارعها ، وقد تقدم الكلام في تقرير هذا الوجه في قصة الكافر والناعق ، فيطالع [ ص: 304 ] هناك ، وهذا المثل يتضمن التحريض على الإنفاق في سبيل الله جميع ما هو طاعة ، وعائد نفعه على المسلمين ، وأعظمها وأغناها الجهاد لإعلاء كلمة الله وقيل : المراد : بسبيل الله ، هنا الجهاد خاصة ، وظاهر الإنفاق في سبيل الله يقتفي الفرض والنفل ، ويقتضي الإنفاق على نفسه في الجهاد وغيره ، والإنفاق على غيره ليتقوى به على طاعة من جهاد أو غيره ، وشبه الإنفاق بالزرع ؛ لأن الزرع لا ينقطع ، وأظهر تاء التأنيث عند السين الحرميان ، وعاصم ، وابن ذكوان ، وأدغم الباقون . ولتقارب السين من التاء أبدلت منها ، النات والأكيات في الناس والأكياس .
ونسب الإنبات إلى الحبة على سبيل المجاز ، إذ كانت سببا للإنبات ، كما ينسب ذلك إلى الماء والأرض والمنبت هو الله ، والمعنى : أن الحبة خرج منها ساق تشعب منها سبع شعب ، في كل شعبة سنبلة ، في كل سنبلة مائة حبة ، وهذا التمثيل تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر ، قالوا : والممثل به موجود ، شوهد ذلك في سنبلة الجاورس . وقال : هو موجود في الدخن والذرة وغيرهما ، وربما فرخت ساق البرة في الأراضي القوية المغلة ، فبلغ حبها هذا المبلغ ، ولو لم يوجد لكان صحيحا في سبيل الفرض والتقدير ، انتهى كلامه . الزمخشري
وقال ابن عيسى : ذلك يتحقق في الدخن ، على أن التمثيل يصح بما يتصور ، وإن لم يعاين ، كما قال الشاعر :
فما تدوم على عهد تكون به كما تلون في أثوابها الغول
انتهى كلامه ، وكما قال امرؤ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
وخص سبعا من العدد ؛ لأنه كما ذكر ، وأقصى ما تخرجه الحبة من الأسؤق . وقال ابن عطية : قد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة ، وأما في سائر الحبوب فأكثر ، ولكن المثال وقع بمائة ، وقد ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشرة أمثالها ، واقتضت هذه الآية أن نفقة الجهاد بسبعمائة ضعف ، ومن ذلك الحديث الصحيح ، انتهى ما ذكره ، قيل : واختص هذا العدد ؛ لأن السبع أكثر أعداد العشرة ، والسبعين أكثر أعداد المائة ، وسبع المائة أكثر أعداد الألف ، والعرب كثيرا ما تراعي هذه الأعداد ، قال تعالى : ( سبع سنابل ) و ( سبع ليال ) و ( سبع سنبلات ) و ( سبع بقرات ) و ( سبع سماوات ) و ( سبع سنين ) و ( إن تستغفر لهم سبعين مرة ) ( ذرعها سبعون ذراعا ) وفي الحديث : " " ، " إلى سبعمائة ضعف إلى سبعة آلاف " " إلى ما لا يحصي عدده إلا الله " . وأتى التمييز هنا بالجمع الذي لا نظير له في الآحاد ، وفي سورة يوسف بالجمع بالألف والتاء في قوله : ( وسبع سنبلات خضر ) . قال : فإن قلت : هلا قيل : ( سبع سنبلات ) على حقه من التمييز لجمع القلة ، كما قال : ( الزمخشري وسبع سنبلات خضر ) ؟ قلت : هذا لما قدمت عند قوله : ( ثلاثة قروء ) من وقوع أمثلة الجمع متعاورة مواقعها ، انتهى كلامه . فجعل هذا من باب الاتساع ، ووقوع أحد الجمعين موقع الآخر على سبيل المجاز ، إذ كان حقه أن يميز بأقل الجمع ؛ لأن السبع من أقل العدد ، وهذا الذي قاله ليس على إطلاقه ، فنقول : جمع السلامة بالواو والنون ، أو بالألف والتاء ، لا يميز به من ثلاثة إلى عشرة إلا إذا لم يكن لذلك المفرد جمع غير هذا الجمع ، أو جاور ما أهمل فيه هذا الجمع ، وإن كان المجاور لم يهمل فيه هذا الجمع ، فمثال الأول قوله تعالى : ( الزمخشري سبع سماوات ) فلم يجمع سماء هذه المظلة سوى هذا الجمع وأما قوله :
فوق سبع سمائيا
فنصوا على شذوذه ، وقوله تعالى : ( سبع بقرات ) و ( تسع آيات ) و ( خمس صلوات ) ؛ لأن البقرة والآية والصلاة ليس لها سوى هذا الجمع ، ولم يجمع على غيره .
ومثال الثاني : قوله تعالى : ( وسبع سنبلات خضر ) لما عطف على : ( سبع بقرات ) وجاوره حسن فيه جمعه بالألف والتاء ، ولو كان لم يعطف ولم يجاور لكان : ( سبع سنابل ) ، كما في هذه الآية ، ولذلك إذا عري عن المجاور جاء على [ ص: 305 ] مفاعل في الأكثر والأولى وإن كان يجمع بالألف والتاء ، مثال ذلك قوله تعالى : ( سبع طرائق ) و ( سبع ليال ) ولم يقل : طريقات ، ولا ليلات ، وإن كان جائزا في جمع طريقة وليلة ، وقوله تعالى : ( عشرة مساكين ) ، وإن كان جائزا في جمعه أن يكون جمع سلامة ، فتقول : مسكينون ومسكينين ، وقد آثروا ما لا يماثل مفاعل من جموع الكثرة على جمع التصحيح ، وإن لم يكن هناك مجاور يقصد مشاكلته لقوله تعالى : ( ثماني حجج ) وإن كان جائزا فيه أن يجمع بالألف والتاء ؛ لأن مفرده حجة ، فتقول : حجات ، فعلى هذا الذي تقرر إذا كان للاسم جمعان : جمع تصحيح ، وجمع تكسير ، فجمع التكسير إما أن يكون للكثرة أو للقلة ، فإن كان للكثرة ، فإما أن يكون من باب مفاعل ، أو من غير باب مفاعل ، إن كان من باب مفاعل أوثر على جمع التصحيح ، فتقول : جاءني ثلاثة أحامد ، وثلاث زيانب ، ويجوز التصحيح على قلة ، فتقول : جاءني ثلاثة أحامد ، وثلاث زينبات ، وإن لم يكن من باب مفاعل ، فإما أن يكثر فيه غير التصحيح ، وغير جمع الكثرة ، فلا يجوز التصحيح ، ولا جمع الكثرة إلا قليلا ، مثال ذلك : جاءني ثلاثة زيود ، وثلاث هنود ، وعندي ثلاثة أفلس ، ولا يجوز : ثلاثة زيدين ، ولا ثلاث هندات ، ولا ثلاثة فلوس ، إلا قليلا .
وإن قل فيه غير التصحيح ، وغير جمع الكثرة أوثر التصحيح وجمع الكسرة ، مثال ذلك : ثلاث سعادات ، وثلاثة شسوع ، ويجوز على قلة : ثلاث سعائد ، وثلاثة أشسع ، وتحصل من هذا الذي قررناه أن قوله : ( سبع سنابل ) جاء على ما تقرر في العربية من كونه جمعا متناهيا ، وأن قوله : ( سبع سنبلات ) إنما جاز لأجل مشاكلة : ( سبع بقرات ) ومجاورته ، فليس استعذار بصحيح ، و ( الزمخشري في كل سنبلة ) في موضع الصفة : لـ ( سنابل ) فتكون في موضع جر ، أو لـ ( سبع ) فيكون في موضع نصب ، وترتفع على التقديرين ( مائة ) على الفاعل ؛ لأن الجار قد اعتمد بكونه صفته ، وهو أحسن من أن يرتفع على الابتداء ، و ( في كل ) خبره ، والجملة صفة ؛ لأن الوصف بالمفرد أولى من الوصف بالجملة ، ولا بد من تقدير محذوف ، أي : في كل سنبلة منها ، أي : من السنابل .
وقرئ شاذا : ( مائة حبة ) بالنصب ، وقدر بأخرجت ، وقدره ابن عطية بأنبتت ، والضمير عائد على الحبة ، وجوز أن ينتصب على البدل من : ( سبع سنابل ) وفيه نظر ؛ لأنه لا يصح أن يكون بدل كل من كل ؛ لأن ( مائة حبة ) ليس نفس ( سبع سنابل ) ولا يصح أن يكون بدل بعض من كل ؛ لأنه لا ضمير في البدل يعود على المبدل منه ، وليس : ( مائة حبة ) بعضا من ( سبع سنابل ) لأن المظروف ليس بعضا من الظرف ، والسنبلة ظرف للحب ، ألا ترى إلى قوله : ( في كل سنبلة مائة حبة ) ولا يصح أن يكون بدل اشتمال لعدم عود الضمير من البدل على المبدل منه ، ولأن المشتمل على مائة حبة هو سنبلة من سبع سنابل ، إلا إن قيل : المشتمل على المشتمل على الشيء هو مشتمل على ذلك الشيء ، والسنبلة مشتمل على سبع سنابل ، فالسبع مشتملة على حب السنبلة ، فإن قدرت في الكلام محذوفا ، وهو أنبتت حب سبع سنابل ، جاز أن يكون ( مائة حبة ) بدل بعض من كل على حذف : ( حب ) ، وإقامة ( سبع ) مقامه ، وظاهر قوله : ( مائة حبة ) العدد المعروف ، ويحتمل أن يكون المراد به التكثير ، كأنه قيل : في كل سنبلة حب كثير ؛ لأن العرب تكثر بالمائة ، وتقدم لنا ذكر نحو ذلك في قوله : ( وهم ألوف حذر الموت ) .
قيل : وفي هذه الآية دلالة على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس ، ولذلك ضرب الله به المثل في قوله : ( مثل الذين ينفقون أموالهم ) الآية . وفي ( صحيح مسلم ) " " . وفي رواية أخرى : " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة " . وفي وما رزئ فهو صدقة الترمذي : " التمسوا الرزق في خبايا الأرض " يعني : الزرع ، وقال بعضهم ، وقد قال له رجل : دلني على عمل أعالجه ، فقال :
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها لعلك يوما أن تجاب وترزقا
[ ص: 306 ] والزراعة من فروض الكفاية ، فيجبر عليها بعض الناس إذا اتفقوا على تركها .
( والله يضاعف لمن يشاء ) أي : هذا التضعيف ؛ إذ لا تضعيف فوق سبعمائة ، وقيل : يضاعف أكثر من هذا العدد وروي عن : أن التضعيف ينتهي لمن شاء الله إلى ألفي ألف . قال ابن عباس ابن عطية : وليس هذا بثابت الإسناد عنه ، انتهى . وقال الضحاك : يضاعف إلى ألوف الألوف ، وخرج أبو حاتم في صحيحه المسمى ( بالتقاسيم والأنواع ) عن قال : ابن عمر لما نزلت ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ) الآية ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رب زد أمتي " . فنزلت : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وفي ( سنن ) قريب من هذا ، إلا أنه ذكر بين الآيتين نزول ( النسائي من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) . وقوله : ( لمن يشاء ) أي : لمن يشاء التضعيف ، وفيه دلالة على حذف ذلك بمشيئة الله تعالى وإرادته . وقال : أي : يضاعف تلك المضاعفة لا لكل منفق ، لتفاوت أحوال المنفقين ، أو يضاعف سبع المائة ويزيد عليها أضعافا لمن يستوجب ذلك ، انتهى . فقوله : لمن يستوجب ذلك ، فيه دسيسة الاعتزال . الزمخشري
( والله واسع عليم ) أي : واسع بالعطاء ، عليم بالنية ، وقيل : واسع القدرة على المجازاة ، عليم بمقادير المنفقات وما يرتب عليها من الجزاء .