( أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة ) . تقدم تفسير هذه الجملة عند قوله ( ومن يرتدد منكم عن دينه ) فأغنى عن إعادته . وقرأ ، ابن عباس وأبو السمال : حبطت ، بفتح الباء وهي لغة .
( وما لهم من ناصرين ) مجيء الجمع هنا أحسن من مجيء الإفراد ; لأنه [ ص: 415 ] رأس آية ، ولأنه بإزاء من للمؤمنين من الشفعاء الذين هم الملائكة والأنبياء وصالحو المؤمنين ، أي : ليس لهم كأمثال هؤلاء ، والمعنى : بانتفاء الناصرين انتفاء ما يترتب على النصر من المنافع والفوائد ، وإذا انتفت من جمع فانتفاؤها من واحد أولى ; وإذا كان جمع لا ينصر فأحرى أن لا ينصر واحد ، ولما تقدم ذكر معصيتهم بثلاثة أوصاف ناسب أن يكون جزاؤهم بثلاثة ، ليقابل كل وصف بمناسبة ، ولما كان الكفر بآيات الله أعظم ; كان التبشير بالعذاب الأليم أعظم ، وقابل قتل الأنبياء بحبوط العمل في الدنيا والأخرة ، ففي الدنيا بالقتل والسبي وأخذ المال والاسترقاق ، وفي الآخرة بالعقاب الدائم ، وقابل قتل الآمرين بالقسط ، بانتفاء الناصرين عنهم إذا حل بهم العذاب ، كما لم يكن للآمرين بالقسط من ينصرهم حين حل بهم قتل المعتدين ، كذلك المعتدون لا ناصر لهم إذا حل بهم العذاب . وفي قوله : أولئك ، إشارة إلى من تقدم موصوفا بتلك الأوصاف الذميمة ، وأخبر عنه بالذين ، إذ هو أبلغ من الخبر بالفعل ، ولأن فيه نوع انحصار ، ولأن جعل الفعل صلة يدل على كونها معلومة للسامع ، معهودة عنده ، فإذا أخبرت بالموصول عن اسم استفاد المخاطب أن ذلك الفعل المعهود المعلوم عنده المعهود هو منسوب للمخبر عنه بالموصول ، بخلاف الإخبار بالفعل ، فإنك تخبر المخاطب بصدوده عن من أخبرت به عنه ، ولا يكون ذلك الفعل معلوما عنده ، فإن كان معلوما عنده جعلته صلة ، وأخبرت بالموصول عن الاسم . قيل : وجمعت هذه الآيات ضروبا من الفصاحة والبلاغة . أحدهما : التقديم والتأخير في : ( إن الدين عند الله الإسلام ) قال التقدير : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام ، أنه لا إله إلا هو ، ولذلك قرأ " إنه " بالكسر : وأن الدين ، بالفتح . ابن عباس
وأطلق اسم السبب على المسبب في قوله ( من بعد ما جاءهم العلم ) عبر بالعلم عن التوراة والإنجيل ، أو النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخلاف الذي سبق . وإسناد الفعل إلى غير فاعله في : ( حبطت أعمالهم ) وأصحاب النار . والإيماء في قوله : ( بغيا بينهم ) فيه إيماء إلى أن النفي دائر شائع فيهم ، وكل فرقة منهم تجاذب طرفا منه . والتعبير ببعض عن كل في : ( أسلمت وجهي ) . والاستفهام الذي يراد به التقرير أو التوبيخ والتقريع في قوله ( أأسلمتم ) . والطباق المقدر في قوله : ( فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ ) ووجهه : أن الإسلام : الانقياد إلى الإسلام ، والإقبال عليه ، والتولي ضد الإقبال . والتقدير : وإن تولوا فقد ضلوا ، والضلالة ضد الهداية . والحشو الحسن في قوله ( بغير حق ) فإنه لم يقتل قط نبي بحق ; وإنما أتى بهذه الحشوة ليتأكد قبح قتل الأنبياء ، ويعظم أمره في قلب العازم عليه . والتكرار في ( ويقتلون الذين ) تأكيدا لقبح ذلك الفعل . والزيادة في ( فبشرهم ) زاد الفاء ; إيذانا بأن الموصول ضمن معنى الشرط . والحذف في مواضع قد تكلمنا عليها فيما سبق .