الدينار : معروف ، وهو أربعة وعشرون قيراطا ، والقيراط : ثلاث حبات من وسط الشعير ، فمجموعه : اثنتان وسبعون حبة ، وهو مجمع عليه . وفاؤه بدل من نون ، يدل على ذلك الجمع ، قالوا : دنانير ، وأصله : دنار ، أبدل من أول المثلين ، كما أبدلوا من النون في ثالث الأمثال ياء في : تظنيت . أصله تظننت ; لأنه من الظن ، وهو بدل مسموع ، والدينار : لفظ أعجمي تصرفت فيه العرب ، وألحقته بمفردات كلامها .
دام : ثبت ، والمضارع : يدوم ، فوزنه : فعل ، نحو قال : يقول ، قال الفراء : هذه لغة الحجاز وتميم ، تقول : دمت ، بكسر الدال . قال : ويجتمعون في المضارع ، يقولون : يدوم . وقال أبو إسحاق يقول : دمت تدام ، مثل : نمت تنام ، وهي لغة ، فعلى هذا يكون وزن " دام " : " فعل " بكسر العين ، نحو : خاف يخاف . والتدويم الاستدارة حول الشيء . ومنه قول : ذي الرمة
والشمس حيرى لها في الجو تدويم
وقال علقمة في وصف خمر :
تشفي الصداع ولا يؤذيك صالبها ولا يخالطها في الرأس تدويم
والدوام : الدوار ، يأخذ في رأس الإنسان فيرى الأشياء تدور به . وتدويم الطائر في السماء ثبوته إذا صف واستدار . ومنه : الماء الدائم ، كأنه يستدير حول مركزه . لوى الحبل والتوى : فتله ثم استعمل في الإراغة في الحجج والخصومات ، ومنه : ليان الغريم : وهو دفعه ، ومطله ، ومنه : خصم ألوى : شديد الخصومة ، شبهت المعاني بالأجرام .
اللسان : الجارحة المعروفة . قال أبو عمرو : اللسان ، يذكر ويؤنث ، فمن ذكر جمعه : ألسنة ؛ ومن أنث جمعه : ألسنا . وقال الفراء : اللسان بعينه لم نسمعه من العرب إلا مذكرا انتهى . ويعبر باللسان عن الكلام ، وهو أيضا يذكر ويؤنث إذا أريد به ذلك .
الرباني : منسوب إلى الرب ، وزيدت الألف والنون مبالغة . كما قالوا : لحياني ، وشعراني ، ورقباني . فلا يفردون هذه الزيادة عن ياء النسبة . وقال قوم : هو منسوب إلى ربان ، وهو معلم الناس وسائسهم ، والألف والنون فيه كهي في غضبان ، وعطشان ، ثم نسب إليه فقالوا : رباني ، فعلى هذا يكون من النسب في الوصف ، كما قالوا : أحمري ، في أحمر ، ودواري في دوار ، وكلا القولين شاذ لا يقاس عليه . درس الكتاب يدرسه : أدمن قراءته وتكريره ، ودرس المنزل : عفا ، وطلل دارس : عاف .
( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ) الجمهور على أن أهل الكتاب ، هم اليهود والنصارى ، أخبر الله تعالى بذم الخونة منهم ، فظاهره أن في اليهود والنصارى من يؤتمن فيفي ، ومن يؤتمن فيخون . وقيل : أهل الكتاب عنى به أهل القرآن ، قاله . وهذا [ ص: 499 ] ضعيف جدا ; لما يأتي بعده من قولهم : ( ابن جريج ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ) وقيل : المراد بأهل الكتاب : اليهود ، لأن هذا القول ( ليس علينا في الأميين سبيل ) لم يقله ولا يعتقده إلا اليهود .
وقيل : ( من إن تأمنه بقنطار ) هم النصارى ; لغلبة الأمانة عليهم . و ( من إن تأمنه بدينار ) هم اليهود ; لغلبة الخيانة عليهم . وعين منهم كعب بن الأشرف وأصحابه . وقيل : ( من إن تأمنه بقنطار ) هم من أسلم من أهل الكتاب . و ( من إن تأمنه بدينار ) من لم يسلم منهم .
وروي أنه بايع بعض العرب بعض اليهود ، وأودعوهم فخانوا من أسلم ، وقالوا : قد خرجتم عن دينكم الذي عليه بايعناكم ، وفي كتابنا : لا حرمة لأموالكم ، فكذبهم الله تعالى . قيل : وهذا سبب نزول هذه الآية . وعن : ( ابن عباس من إن تأمنه بقنطار يؤده ) هو ، استودعه رجل من عبد الله بن سلام قريش ألفا ومائتي أوقية ذهبا ، فأداه إليه . و ( من إن تأمنه بدينار ) فنحاص بن عازوراء ، استودعه رجل من قريش دينارا فجحده وخانه انتهى . ولا ينحصر الشرط في ذينك المعينين ، بل كل منهما فرد ممن يندرج تحت : من . ألا ترى كيف جمع في قوله : ( ذلك بأنهم قالوا ليس علينا ) قالوا ، والمخاطب بقوله : " تأمنه " ، هو النبي - صلى الله عليه وسلم - بلا خلاف ، ويحتمل أن يكون السامع من أهل الإسلام ، وبينه قولهم : ( ليس علينا في الأميين سبيل ) فجمع الأميين ، وهم أتباع النبي الأمي . وقرأ : تئمنه ، في الحرفين ، وتئمنا : في أبي بن كعب يوسف . وقرأ ، و ابن مسعود الأشهب العقيلي ، و : تيمنه ، بتاء مكسورة ، وياء ساكنة بعدها ، قال ابن وثاب الداني : وهي لغة تميم . وأما إبدال الهمزة ياء في : تئمنه ، فلكسرة ما قبلها كما أبدلوا في بئر .
وقد ذكرنا الكلام على حروف المضارعة من فعل ، ومن ما أوله همزة وصل عند الكلام على قوله ( نستعين ) فأغنى عن إعادته . وقال ابن عطية ، حين ذكر قراءة أبي : وما أراها إلا لغة قرشية ، وهي كسر نون الجماعة : كنستعين ، وألف المتكلم ، كقول : لا إخاله ، وتاء المخاطب كهذه الآية ، ولا يكسرون الياء في الغائب ، وبها قرأ ابن عمر أبي في : " تئمنه " انتهى . ولم يبين ما يكسر فيه حروف المضارعة بقانون كلي ، وما ظنه من أنها لغة قرشية ليس كما ظن . وقد بينا ذلك في ( نستعين ) وتقدم تفسير القنطار ، في قوله : ( والقناطير المقنطرة ) .
وقرأ الجمهور : يؤده ، بكسر الهاء ، ووصلها بياء . وقرأ قالون باختلاس الحركة ، وقرأ أبو عمرو ، وأبو بكر ، وحمزة ، ، بالسكون . قال والأعمش أبو إسحاق : وهذا الإسكان الذي روي عن هؤلاء غلط بين ; لأن الهاء لا ينبغي أن تجزم ، وإذا لم تجزم فلا يجوز أن تسكن في الوصل . وأما أبو عمرو فأراه كان يختلس الكسرة ، فغلط عليه ، كما غلط عليه في : بارئكم ، وقد حكى عنه ، وهو ضابط لمثل هذا ، أنه كان يكسر كسرا خفيفا انتهى كلام سيبويه . وما ذهب إليه ابن إسحاق أبو إسحاق من أن الإسكان غلط ليس بشيء ، إذ هي قراءة في السبعة ، وهي متواترة ، وكفى أنها منقولة من إمام البصريين ، فإنه عربي صريح ، وسامع لغة ، وإمام في النحو ، ولم يكن ليذهب عنه جواز مثل هذا . أبي عمرو بن العلاء
وقد أجاز ذلك الفراء ، وهو إمام في النحو واللغة . وحكى ذلك لغة لبعض العرب تجزم في الوصل والقطع . وقد روى أن لغة عقيل وكلاب : أنهم يختلسون الحركة في هذه الهاء إذا كانت بعد متحرك ، وأنهم يسكنون أيضا . قال الكسائي : سمعت أعراب عقيل وكلاب يقولون : ( الكسائي لربه لكنود ) بالجزم ، و " لربه لكنود " ، بغير تمام ، وله مال ، وغير عقيل وكلاب ، لا يوجد في كلامهم اختلاس ولا سكون في له وشبهه إلا في ضرورة نحو قوله .
له زجل كأنه صوت حاد
وقال :
إلا لأن عيونه سيل واديها
ونص بعض أصحابنا على أن حركة هذه الهاء ، بعد الفعل الذاهب منه حرف لوقف أو جزم ، يجوز فيها الإشباع ، ويجوز الاختلاس ، ويجوز السكون . وأبو إسحاق ، يقال عنه : إنه لم يكن إماما في اللغة ، ولذلك أنكر على ثعلب في كتابه : ( الفصيح ) مواضع زعم أن العرب لا [ ص: 500 ] تقولها ، ورد الناس على الزجاج أبي إسحاق في إنكاره ، ونقلوها من لغة العرب . وممن رد عليه : ، وكان أبو منصور الجواليقي ثعلب إماما في اللغة ، وإماما في النحو على مذهب الكوفيين ، ونقلوا أيضا قراءتين : إحداهما ضم الهاء ووصلها بواو ، وهي قراءة ، والأخرى : ضمها دون وصل ، وبها قرأ الزهري سلام .
والباء في : بقنطار ، وفي : بدينار ، قيل : للإلصاق . وقيل : بمعنى " على " ، إذ الأصل أن تتعدى بعلى ، كما قال مالك : ( لا تأمنا على يوسف ) وقال : ( هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه ) وقيل : بمعنى " في " ، أي : في حفظ قنطار ، وفي حفظ دينار . والذي يظهر أن القنطار والدينار ، مثالان للكثير والقليل ، فيدخل أكثر من القنطار وأقل ، وفي الدينار أقل منه .
قال ابن عطية : ويحتمل أن يريد طبقه يعني : في الدينار لا يجوز إلا في دينار فما زاد ، ولم يعن بذكر الخائنين في : أقل ، إذ هم طغام حثالة . انتهى .