وقرأ أبي ، وعبد الله : ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، بدل : النبيين ، وكذا هو في مصحفيهما . وروي عن مجاهد أنه قال : هكذا هو القرآن ، وإثبات النبيين خطأ من الكاتب ، وهذا لا يصح عنه ; لأن الرواة الثقات نقلوا عنه أنه قرأ " النبيين " ك وغيره ، وإن صح ذلك عن غيره ، فهو خطأ مردود بإجماع الصحابة على مصحف عبد الله بن كثير عثمان .
والخطاب بقوله : وإذ أخذ ، يجوز أن يكون للنبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يذكر أهل الكتاب بما هو في كتبهم من أخذ الميثاق على النبيين ، ويجوز أن يتوجه إلى أهل الكتاب أمروا أن يذكروا ذلك ، وعلى هذين التقديرين يكون العامل : اذكر ، أو اذكروا ، ويجوز أن يكون العامل في : إذ ، " قال " من قوله : ( قال أأقررتم ) وهو حسن ، إذ لا تكلف فيه .
قيل : ويجوز أن يكون معطوفا على ما تقدم من لفظ " إذ " ، والعامل فيها : اصطفى ، وهذا بعيد جدا . وظاهر الكلام يدل على أن الله هو الآخذ ميثاق النبيين ، فروي عن علي ، ، وابن عباس ، وطاوس والحسن ، والسدي : أن الذين أخذ ميثاقهم هم الأنبياء دون أممهم ، أخذ عليهم أن يصدق بعضهم بعضا ، وأن ينصر بعضهم بعضا ، ونصرة كل نبي لمن بعده توصية من آمن به أن ينصره إذا أدرك زمانه . وينبو عن هذا المعنى لفظ : ( ثم جاءكم رسول ) إلى آخر الكلام . وقال أيضا فيما روي عنه : [ ص: 509 ] أخذ ميثاق النبيين وأممهم على الإيمان ابن عباس بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ونصره ، واجتزأ بذكر النبيين من ذكر أممها ; لأن الأمم أتباع للأنبياء ، ويدل عليه قول علي - كرم الله وجهه : ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه العهد في محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمره بأخذ العهد على قومه فيه ، بأن يؤمنوا به وينصروه إن أدركوا زمانه . وروي عن أيضا : أنه تعالى لما أخرج ذرية ابن عباس آدم من صلبه أخذ الميثاق على جميع المرسلين أن يقروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم . وعلى هذين القولين يكون قوله : ( ثم جاءكم رسول ) عني به واحد ، وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا يكون جنسا . ويبعد قول : أن الميثاق كان حين أخرجهم من ظهر ابن عباس آدم كالذر .
قرأ حمزة : لما آتيناكم ، لأن الظاهر أن ذلك كان بعد إيتاء الكتاب والحكمة . وميثاق : مضاف إلى النبيين ، فيحتمل أن يكون النبيون هم الموثقون للعهد على أممهم ، ويحتمل أن يكونوا هم الموثق عليهم ، والذي يدل عليه ما قبل الآية من قوله : ( ما كان لبشر أن يؤتيه الله ) الآية ، وما بعدها من قوله : ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا ) أن المراد بقوله ( ثم جاءكم رسول ) هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ولذلك جاء مصدقا لما معكم . وكثيرا ما وصف بهذا الوصف في القرآن رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - ألا ترى إلى قوله ( ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق ) ؟ وكذلك وصف كتابه بأنه مصدق لما في كتبهم ، وإذا تقرر هذا كان المجاز في صدر الآية فيكون على حذف مضاف أي : وإذ أخذ الله ميثاق أتباع النبيين من أهل الكتاب ، أو ميثاق أولاد النبيين ، فيوافق صدر الآية ما بعدها ، وجعل ذلك ميثاقا للنبيين على سبيل التعظيم لهذا الميثاق ، أو يكون المأخوذ عليهم الميثاق مقدرا بعد النبيين ، التقدير : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على أممهم . ويبين هذا التأويل قراءة أبي ، وعبد الله : ميثاق الذين أوتوا الكتاب ، ويبين أيضا أن الميثاق كان على الأمم قوله : ( فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) ومحال هذا الفرض في حق النبيين ، وإنما ذلك في حق الأتباع .
وقرأ جمهور السبعة : لما ، بفتح اللام ، وتخفيف الميم وقرأ حمزة : لما ، بكسر اللام ، وقرأ ، سعيد بن جبير والحسن : لما ، بتشديد الميم . فأما توجيه قراءة الجمهور ففيه أربعة أقوال .
أحدها : أن ما ، شرطية منصوبة على المفعول بالفعل بعدها ، واللام قبلها موطئة لمجيء " ما " بعدها جوابا للقسم ، وهو " أخذ الله ميثاق " . و " من " في قوله : من كتاب ، كهي ، في قوله : ( ما ننسخ من آية ) والفعل بعد ما ، ماض معناه الاستقبال لتقدم ما الشرطية عليه . وقوله : ثم جاءكم ، معطوف على الفعل بعد ما ، فهو في حيز الشرط ، ويلزم أن يكون في قوله : ثم جاءكم ، رابط يربطها بما عطفت عليه ; لأن جاءكم ، معطوف على الفعل بعد ما ، ولتؤمنن به : جواب لقوله ( أخذ الله ميثاق النبيين ) ونظيره من الكلام في التركيب : أقسم لأيهم صحبت ، ثم أحسن إليه رجل تميمي ، لأحسنن إليه ، تريد لأحسنن إلى الرجل التميمي . فلأحسنن جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف ; لدلالة جواب القسم عليه ، وكذلك في الآية جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، والضمير في : به ، عائد على : " رسول " وهذا القول ، وهو أن ما شرطية هو قول . وسأل الكسائي [ ص: 510 ] سيبويه الخليل عن هذه الآية فقال ما نصه : ما ، ههنا بمنزلة الذي ، ودخلت اللام كما دخلت على إن ، حين قلت : والله لئن فعلت لأفعلن ، فاللام في ما ، كهذه التي في : إن ، واللام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هنا انتهى . ثم قال : ومثل ذلك ( سيبويه لمن تبعك منهم لأملأن جهنم ) إنما دخلت اللام على نية اليمين انتهى . وقال أبو علي : لم يرد الخليل بقوله : بمنزلة الذي أنها موصولة ، بل أنها اسم ، كما أن الذي اسم ، وأقر أن تكون حرفا كما جاءت حرفا : ( كلا لما ليوفينهم ) وفي قوله : ( وإن كل ذلك لما متاع ) انتهى . وتحصل من كلام الخليل أن ما ، في : لما آتيتكم شرطية ، وقد خرجها على الشرطية غير هؤلاء : وسيبويه كالمازني ، ، والزجاج وأبي علي ، ، والزمخشري وابن عطية ، وفيه خدش لطيف جدا ، وهو أنه : إذا كانت شرطية كان الجواب محذوفا لدلالة جواب القسم عليه ، وإذا كان كذلك فالمحذوف من جنس المثبت ، ومتعلقاته متعلقاته ، فإذا قلت : والله لمن جاءني لأكرمنه ، فجواب : من ، محذوف ، التقدير : من جاءني أكرمه . وفي الآية اسم الشرط : ما ، وجوابه محذوف من جنس جواب القسم ، وهو الفعل المقسم عليه ، ومتعلق الفعل هو ضمير الرسول بواسطة حرف الجر لا ضمير ما المقدر ، فجواب ما ، المقدر إن كان من جنس جواب القسم فلا يجوز ذلك ، لأنه تعد . والجملة الجوابية إذ ذاك من ضمير يعود على اسم [ ص: 511 ] الشرط ، وإن كان من غير جنس جواب القسم ، فكيف يدل عليه جواب القسم ، وهو من غير جنسه ، وهو لا يحذف إلا إذا كان من جنس جواب القسم ؟ ألا ترى أنك لو قلت : والله لئن ضربني زيد لأضربنه ؟ فكيف تقدره : إن ضربني زيد أضربه ؟ ولا يجوز أن يكون التقدير : والله إن ضربني زيد أشكه لأضربنه ; لأن : لأضربنه ، لا يدل على أشكه ، فهذا ما يرد على قول من خرج ما ، على أنها شرطية .
وأما قول : ولتؤمنن ، ساد مسد جواب القسم والشرط جميعا ، فقول ظاهره مخالف لقول من جعل ما شرطية ; لأنهم نصوا على أن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه ، اللهم إن عنى أنه من حيث تفسير المعنى لا تفسير الإعراب يسد مسدهما ، فيمكن أن يقال ; وأما من حيث تفسير الإعراب فلا يصح ، لأن كلا منهما ، أعني الشرط والقسم ، يطلب جوابا على حدة ، ولا يمكن أن يكون هذا محمولا عليهما ; لأن الشرط يقتضيه على جهة العمل فيه ، فيكون في موضع جزم ، والقسم يطلبه على جهة التعلق المعنوي به بغير عمل فيه ، فلا موضع له من الإعراب . ومحال أن يكون الشيء الواحد له موضع من الإعراب ولا موضع له من الإعراب . الزمخشري
والقول الثاني : قاله أبو علي الفارسي وغيره ، وهو : أن تكون : ما ، موصولة مبتدأة ، وصلتها : آتيناكم ، والعائد محذوف تقديره : آتيناكموه ، وثم جاءكم : معطوف على الصلة ، والعائد منها على الموصول محذوف تقديره : ثم جاءكم رسول به ، فحذف لدلالة المعنى عليه ، هكذا خرجوه ، وزعموا أن ذلك على مذهب ، وخرجوه على مذهب سيبويه الأخفش : أن الربط لهذه الجملة العارية عن الضمير حصل بقوله : لما معكم ; لأنه هو الموصول ، فكأنه قيل : ثم جاءكم رسول مصدق له ، وقد جاء الربط في الصلة بغير الضمير ، إلا أنه قليل ، روى من كلامهم أبو سعيد الذي رويت عن الخدري ، يريدون : رويت عنه ، وقال :
فيا رب ليلى أنت في كل موطن وأنت الذي في رحمة الله أطمع
يريد : في رحمته أطمع . وخبر المبتدأ الذي هو ما ، الجملة من القسم المحذوف وجوابه ، وهو : لتؤمنن به ، والضمير في : به ، عائد على الموصول المبتدأ ، ولا يعود على : " رسول " ; لئلا تخلو الجملة التي وقعت خبرا عن المبتدأ من رابط يربطها به ، والجملة الابتدائية التي هي : لما آتيناكم ، إلى آخره هي الجملة المتلقي بها ما أجري مجرى القسم ، وهو قوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) .
والقول الثالث : قاله بعض أهل العلم ، وهو أن تكون ما ، موصولة مفعولة بفعل جواب القسم ، التقدير : لتبلغن ما آتيناكم من كتاب وحكمة ، قال : إلا أنه حذف : لتبلغن ، لدلالة عليه ; لأن لام القسم إنما تقع على الفعل ، فلما دلت هذه اللام على هذا الفعل حذف ، ثم قال تعالى : ( ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم ) وهو محمد - صلى الله عليه وسلم ، ( لتؤمنن به ولتنصرنه ) وعلى هذا التقدير يستقيم النظم ، انتهى . ويعني يكون لتؤمنن به ، جواب قسم محذوف ، وهذا بعيد جدا لا يحفظ من كلامهم ، والله لزيدا تريد ، ليضربن زيدا .
والقول الرابع : قاله ابن أبي إسحاق ، وهو : أن يكون : لما ، تخفيف لما ، والتقدير : حين آتيناكم ، ويأتي توجيه قراءة التشديد . وأما توجيه قراءةحمزة : فاللام هي للتعليل ، وما موصولة بـ " آتيناكم " ، والعائد محذوف . وثم جاءكم معطوف على الصلة ، والرابط لها بالموصول ، إما إضمار به ، على ما نسب إلى ، وإما هذا الظاهر الذي هو لما معكم ، لأنه في المعنى هو الموصول على مذهب سيبويه أبي الحسن .
وقول : فجواب : أخذ الله ميثاق النبيين ، هو لتؤمنن به ، والضمير في : به ، عائد على " رسول " ، ويجوز الفصل بين القسم والمقسم عليه ، بمثل هذا الجار والمجرور ، لو قلت : أقسمت للخبر الذي بلغني عن الزمخشري عمر ولأحسنن إليه ، جاز . وأجاز في قراءة الزمخشري حمزة أن تكون ما مصدرية ، وبدأ به في توجيه هذه القراءة ، قال : ومعناه لأجل إيتائي إياكم [ ص: 512 ] بعض الكتاب والحكمة ، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ، على أن ما مصدرية ، والفعلان معها أعني آتيناكم وجاءكم ، في معنى المصدرين ، واللام داخلة للتعليل على معنى : أخذ الله ميثاقهم ، ليؤمنن بالرسول ، ولينصرنه ; لأجل أن آتيتكم الحكمة ، وأن الرسول الذي أمرتكم بالإيمان به ، ونصرته موافق لكم غير مخالف انتهى كلامه . إلا أن ظاهر هذا التعليل الذي ذكره ، وهذا التقدير الذي قدره ، أنه تعليل للفعل المقسم عليه ، فإن عني هذا الظاهر فهو مخالف لظاهر الآية ; لأن ظاهر الآية يقتضي أن يكون تعليلا لأخذ الميثاق لا لمتعلقه ، وهو الإيمان . فاللام متعلقة بـ " أخذ " ، وعلى ظاهر تقدير تكون متعلقة بقوله : لتؤمنن به ، ويمتنع ذلك من حيث إن اللام المتلقى بها القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها . تقول : والله لأضربن زيدا ، فلا يجوز : والله زيدا لأضربن ، فعلى هذا لا يجوز أن تتعلق اللام في لما ، بقوله : لتؤمنن به . وقد أجاز بعض النحويين في معمول الجواب ، إذا كان ظرفا أو مجرورا ، تقدمه ، وجعل من ذلك عوض " لا نتفرق " ، وقوله تعالى : ( الزمخشري عما قليل ليصبحن نادمين ) فعلى هذا يجوز أن تتعلق بقوله : لتؤمنن به ، وفي هذه المسألة تفصيل يذكر في علم النحو .
وذكر السجاوندي ، عن صاحب النظم أن هذه اللام في قراءة حمزة هي بمعنى بعد ، كقول النابغة :
توهمت آيات لها فعرفتها لستة أعوام وذا العام سابع
فعلى ذا لا تكون اللام في : لما ، للتعليل . وأما توجيه قراءة سعيد بن جبير والحسن : لما ، فقال أبو إسحاق : أي : لما آتاكم الكتاب والحكمة أخذ الميثاق ، وتكون : لما ، تؤول إلى الجزاء كما تقول : لما جئتني أكرمتك انتهى كلامه .
قال ابن عطية : ويظهر أن لما هذه هي الظرفية ، أي : لما كنتم بهذه الحال رؤساء الناس وأماثلهم ، أخذ عليكم الميثاق ، إذ على القادة يؤخذ ، فيجيء على هذا المعنى كالمعنى في قراءة حمزة . وقال : لما ، بالتشديد بمعنى : حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ثم جاءكم رسول مصدق ، وجب عليكم الإيمان به ونصرته انتهى . فاتفق الزمخشري ابن عطية ، على أن لما ظرفية ، واختلفا في تقدير الجواب العامل في لما ، على زعمهما . فقدره والزمخشري ابن عطية من القسم ، وقدره من جواب القسم ، وكلا قوليهما مخالف لمذهب الزمخشري في لما المقتضية جوابا ، فإنها عند سيبويه حرف وجوب لوجوب ، وليست ظرفية بمعنى حين ، ولا بمعنى غيره ، وإنما ذهب إلى ظرفيتها سيبويه أبو علي الفارسي .
وقد تكلمنا على ذلك كلاما مشبعا في كتاب ( التكميل لشرح التسهيل ) وبينا أن الصحيح مذهب . وذهب سيبويه في تخريج هذه القراءة إلى أن أصلها : لمن ما ، وزيدت من ، في الواجب على مذهب ابن جني الأخفش ، ثم أدغمت كما يجب في مثل هذا ، فجاء : لمما ، فثقل اجتماع ثلاث ميمات ، فحذفت الميم الأولى فبقي لما .
قال ابن عطية : وتفسير هذه القراءة على هذا التوجيه الملحق تفسير لما ، بفتح الميم مخففة ، وقد تقدم انتهى . وظاهر كلامه أن من ، في قوله : لمن ما ، زائدة في الواجب على مذهب الأخفش ، وقد ذكر هذا التقدير في توجيه قراءة : لما ، بالتشديد ، ولم ينسبه إلى أحد ، فقال : وقيل أصله لمن ما ، فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات ، وهي : الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم ، فحذفوا إحداها ، فصارت : لما ، ومعناه : لمن أجل ما آتيناكم لتؤمنن به ، وهذا نحو من قراءة الزمخشري حمزة في المعنى انتهى كلامه . وهو مخالف لكلام في : من ، المقدر دخولها على ما ، فإن ظاهر كلام ابن جني أنها زائدة ، وظاهر كلام ابن جني أنها ليست بزائدة ; لأنه جعلها للتعليل . الزمخشري
وفي قول : فحذفوا إحداها ، إبهام في المحذوف ، وقد عينها الزمخشري : بأن المحذوفة هي الأولى ، وهذا التوجيه في قراءة التشديد في غاية البعد ، وينزه كلام العرب أن يأتي فيه مثله ، فكيف كلام الله تعالى ؟ وكان ابن جني كثير التحمل في كلام العرب . [ ص: 513 ] ويلزم في : لما هذه ، على ما قرره ابن جني أن تكون اللام في : لمن ما آتيناكم ، زائدة ، ولا تكون اللام الموطئة ; لأن اللام الموطئة إنما تدخل على أدوات الشرط لا على حرف الجر ، لو قلت : أقسم بالله لمن أجلك لأضربن عمرا ، لم يجز ، وإنما سميت موطئة ; لأنها توطئ ما يصلح أن يكون جوابا للشرط للقسم ، فيصير جواب الشرط إذ ذاك محذوفا ، لدلالة جواب القسم عليه . الزمخشري
وقرأ نافع : آتيناكم ، على التعظيم ، وتنزيل الواحد منزلة الجمع ، وقرأ الجمهور : آتيتكم ، على الإفراد ، وهو الموافق لما قبله وما بعده ، إذ تقدمه ( وإذ أخذ الله ) وجاء بعده ( إصري ) .
وقرأ عبد الله : رسول مصدقا ، نصبه على الحال ، وهو جائز من النكرة ، وإن تقدمت النكرة . وقد ذكرنا أن قاسه ، ويحسن هذه القراءة أنه نكرة في اللفظ ، معرفة من حيث المعنى ; لأن المعني به سيبويه محمد - صلى الله عليه وسلم - على قول الجمهور ، وقوله : لما آتيتكم ، إن أريد جميع الأنبياء ، وهو ظاهر اللفظ ، فإن أريد بالإيتاء الإنزال فليس كلهم أنزل عليهم ، فيكون من خطاب الكل بخطاب أشرف أنواعه ، ويكون التعميم في الأنبياء مجازا ، وإن أريد بالإيتاء كونه مهتدى به ، وداعيا إلى العمل به ، صح ذلك في جميع الأنبياء ، ويكون التعميم حقيقة . وكذلك إن أريد بالأنبياء المجاز ، وهو أممهم ، يكون إيتاؤهم الكتاب كونه تعالى جعله هاديا لهم وداعيا .