27 -
للترتيب مع التراخي ، وأما قوله : ثم لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( طه : 82 ) والهداية سابقة على ذلك ، فالمراد ثم دام على الهداية ، بدليل قوله : وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا ( المائدة : 93 ) .
وقد لا لترتيب المخبر عنه كقوله تعالى : تأتي لترتيب الأخبار فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ( يونس : 46 ) . وقوله : واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه ( هود : 90 ) . وتقول : زيد عالم كريم ثم هو شجاع .
قال : قد ابن بري فيه تفاوت ما بين مرتبتي الفعل مع السكوت عن تفاوت رتبتي الفاعل ، كقوله تعالى : [ ص: 235 ] تجيء ثم كثيرا لتفاوت ما بين رتبتين في قصد المتكلم الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( الأنعام : 1 ) فثم هنا لتفاوت رتبة الخلق والجعل من رتبة العدل ، مع السكوت عن وصف العادلين . ومثله قوله تعالى : فلا اقتحم العقبة ( البلد : 11 ) إلى قوله : ثم كان من الذين آمنوا ( البلد : 17 ) دخلت لبيان تفاوت رتبة الفك والإطعام من رتبة الإيمان ، إلا أن فيها زيادة تعرض لوصف المؤمنين بقوله : وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ( البلد : 17 ) .
وذكر غيره في قوله تعالى : ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( الأنعام : 1 ) أن ثم دخلت لبعد ما بين الكفر وخلق السماوات والأرض .
وعلى ذلك جرى في مواضع كثيرة من الكشاف كقوله تعالى : الزمخشري لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ( طه : 82 ) . وقوله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( الأحقاف : 13 ) قال : كلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في : جاءني زيد ثم عمرو ، أعني أن منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه ، لأنها أعلى منها وأفضل .
ومنه قوله تعالى : إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ( المدثر : 18 إلى 20 ) إن قلت : ما معنى ثم الداخلة في تكرير الدعاء ؟ قلت : الدلالة على أن الكرة الثانية من الدعاء أبلغ من الأولى .
وقوله : ثم كان من الذين آمنوا ( البلد : 17 ) قال : جاء بثم لتراخي الإيمان وتباعده في الرتبة والفضيلة على العتق والصدقة ، لا في الوقت لأن الإيمان هو السابق المقدم على غيره .
وقال في قوله تعالى : الزمخشري ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ( النحل : 123 ) إن ثم فيها من تعظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأنه [ ص: 236 ] أولى وأشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم من الكرامة ، وأجل ما أوتي من النعمة أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ملته .
واعلم أنه بهذا التقدير يندفع الاعتراض بأن ثم قد تخرج عن الترتيب والمهلة وتصير كالواو ؛ لأنه إنما يتم على أنها تقتضي الترتيب الزماني لزوما ، أما إذا قلنا : إنها ترد لقصد التفاوت والتراخي عن الزمان لم يحتج إلى الانفصال عن شيء مما ذكر من هذه الآيات الشريفة ، لا أن تقول : إن ثم قد تكون بمعنى الواو .
والحاصل أنها للتراخي في الزمان ، وهو المعبر عنه بالمهلة ، وتكون للتباين في الصفات وغيرها من غير قصد مهلة زمانية ، بل ليعلم موقع ما يعطف بها وحاله ، وأنه لو انفرد لكان كافيا فيما قصد فيه ، ولم يقصد في هذا ترتيب زماني ، بل تعظيم الحال فيما عطف عليه وتوقعه ، وتحريك النفوس لاعتباره .
وقيل : ، نحو : تأتي للتعجب ثم الذين كفروا بربهم يعدلون ( الأنعام : 1 ) . وقوله : ثم يطمع أن أزيد كلا ( المدثر : 15 - 16 ) . وقيل : بمعنى واو العطف كقوله : فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ( يونس : 46 ) أي هو شهيد . وقوله : ثم إن علينا بيانه ( القيامة : 19 ) . والصواب أنها على بابها لما سبق قبله . وقوله : ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا ( الأعراف : 11 ) وقد أمر الله الملائكة بالسجود قبل خلقنا ، فالمعنى : وصورناكم . وقيل على بابها ، والمعنى : ابتدأنا خلقكم لأن الله تعالى خلق آدم من تراب ثم صوره وابتدأ خلق الإنسان من نطفة ثم صوره .
وأما قوله : خلقكم من طين ثم قضى أجلا ( الأنعام : 2 ) وقد كان قضى الأجل فمعناه أخبركم أني خلقته من طين ، ثم أخبركم أني قضيت الأجل ، وهذا يكون في الجمل ، فأما عطف المفردات فلا تكون إلا للترتيب . قاله ابن فارس .
قيل : كقوله تعالى : وتأتي زائدة وعلى الثلاثة الذين خلفوا ( التوبة : 118 ) إلى قوله : ثم تاب عليهم ( التوبة : 118 ) لأن تاب جواب إذا من قوله : [ ص: 237 ] حتى إذا ضاقت ( التوبة : 118 ) كقوله تعالى : وتأتي للاستئناف وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون ( آل عمران : 111 ) .
فإن قيل : ما المانع من الجزم على العطف ؟ فالجواب أنه عدل به عن حكم الجزاء ، إلى حكم الإخبار ابتداء كأنه قال : ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قيل : أي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى ؟ قيل : لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتوليهم ، وحين رفع كان النصر وعدا مطلقا كأنه قال : ثم شأنهم وقصتهم أني أخبركم عنها ، وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون ، منعت عنهم النصرة والقوة ، ثم لا ينهضون بعدها بنجاح ولا يستقيم لهم أمر .
واعلم أنها وإن كانت حرف استئناف ففيها معنى العطف ، وهو عطف الخبر على جملة الشرط والجزاء ، كأنه قال : أخبركم أنهم يقاتلونكم فيهزمون ، ثم أخبركم أنهم لا ينصرون . فإن قيل : ما ؟ قيل : التراخي في الرتبة ، لأن الأخبار التي تتسلط عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الأدبار ، كقوله تعالى : معنى التراخي في ثم ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين ( المرسلات : 16 - 17 ) .