68 - لعل
تجيء لمعان :
الأول للترجي في المحبوب نحو : لعل الله يغفر لنا ، وللإشفاق في المكروه ، نحو : لعل الله يغفر للعاصي . ثم وردت في كلام من يستحيل عليه الوصفان ، لأن الترجي للجهل بالعاقبة وهو محال على الله وكذلك الخوف والإشفاق .
فمنهم من صرفها إلى المخاطبين . قال في قوله تعالى : سيبويه لعله يتذكر أو يخشى ( طه : 44 ) معناه : كونا على رجائكما في ذكرهما ، يعني أنه كلام منظور فيه إلى جانب موسى وهارون عليهما السلام ، لأنهما لم يكونا جازمين بعدم إيمان فرعون .
وأما استعمالهما في الخوف ففي قوله تعالى : لعل الساعة قريب ( الشورى : 17 ) ، فإن الساعة مخوفة في حق المؤمنين بدليل قوله : والذين آمنوا مشفقون منها [ ص: 337 ] ( الشورى : 18 ) . وفي هذا رد على حيث أنكر أن تكون هذه الآية من هذا القبيل . الزمخشري ،
فإن قلت : ما معنى قولهم : لعل من الله واجبة ؟ هل ذلك من شأن المحبوب أو مطلقا ؟ وإذا كانت في المحبوب فهل ذلك إخراج لها عن وضع الترجي إلى وضع الخبر فيكون مجازا أم لا ؟ .
قلت : ليس إخراجا لها عن وضعها ، وذلك أنهم لما رأوها من الكريم للمخاطبين في ذلك المحبوب تعريض بالوعد ، وقد علم أن الكريم لا يعرض بأن يفعل إلا بعد التصميم عليه ، فجرى الخطاب الإلهي مجرى خطاب عظماء الملوك من الخلق . وقوله : ياأيها الناس اعبدوا ربكم . . . الآية إلى : تتقون ( البقرة : 21 ) إطماع المؤمن بأن يبلغ بإيمانه درجة التقوى العالية ؛ لأنه بالإيمان يفتتحها وبالإيمان يختتمها ، ومن ثم قال مالك وأبو حنيفة : الشرع ملزم .
وقد قال : وقد جاءت على سبيل الإطماع في مواضع من القرآن ، لكنه كريم رحيم إذا أطمع فعل ما يطمع لا محالة ، فجرى إطماعه مجرى وعده ، فلهذا قيل : إنها من الله واجبة . الزمخشري
وهذا فيه رائحة الاعتزال في الإيجاب العقلي ، وإنما يحسن الإطماع دون التحقيق ، كيلا يتكل العباد كقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ( التحريم : 8 ) .
[ ص: 338 ] وقال الراغب : " لعل " طمع وإشفاق . وذكر بعض المفسرين أن لعل من الله واجبة ، وفسر في كثير من المواضع بكي وقالوا : إن الطمع والإشفاق لا يصح على الله تعالى . قال : ولعل - وإن كان طمعا - فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب ، وتارة طمع المخاطب ، وتارة طمع غيرهما ، فقوله تعالى : لعلنا نتبع السحرة ( الشعراء : 40 ) ، فذلك طمع منهم في فرعون .
وفي قوله : لعله يتذكر أو يخشى ( طه : 44 ) إطماع موسى وهارون ، ومعناه : قولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى . وقوله : فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك ( هود : 12 ) ، أي تظن بك الناس . وعليه قوله تعالى : لعلك باخع نفسك ( الشعراء : 3 ) وقوله : واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ( الأنفال : 45 ) أي راجين الفلاح كما قال : ويرجون رحمته ( الإسراء : 57 ) .
وزعم بعضهم بأنها لا تكون للترجي إلا في الممكن لأنه انتطار ، ولا ينتظر إلا في ممكن ، فأما قوله تعالى : لعلي أبلغ الأسباب ( غافر : 36 ) الآية ، فاطلاع فرعون إلى الإله مستحيل ، وبجهله اعتقد إمكانه ؛ لأنه يعتقد في الإله الجسمية والمكان ، تعالى الله عن ذلك .
الثاني للتعليل كقوله تعالى : فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ( الأنعام : 155 ) . وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون ( النحل : 15 ) أي كي . وجعل منه ثعلب : لعله يتذكر ( طه : 44 ) أي كي ، حكاه عنه صاحب المحكم .
الثالث : الاستفهام ، كقوله تعالى : لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ( الطلاق : 1 ) وما يدريك لعله يزكى ( عبس : 3 ) .
[ ص: 339 ] وحكى البغوي في تفسيره عن الواحدي أن جميع ما في القرآن من لعل فإنها للتعليل ، إلا قوله تعالى : لعلكم تخلدون ( الشعراء : 129 ) فإنها للتشبيه . وكونها للتشبيه غريب لم يذكره النحاة ، ووقع في صحيح في قوله : البخاري لعلكم تخلدون أن لعل للتشبيه . وذكر غيره أنها للرجاء المحض ، وهو بالنسبة إليهم .
واعلم أن الترجي والتمني من باب الإنشاء كيف يتعلقان بالماضي . وقد وقع خبر ليت ماضيا في قوله تعالى : ياليتني مت قبل هذا ( مريم : 23 ) . وممن نص على منع وقوع الماضي خبرا للعل الرماني .