الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - : ومن عمي موته صنفان : غرقى ، ومفقودون ، فأما الغرقى ومن ضارعهم من الموتى تحت هدم أو في حريق ، فلا يخلو حالهم من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدهم : أن يعلم ويتيقن موتهم فيمن تقدم منهم وتأخر ، فهذا يورث المتأخر من المتقدم ، ولا يورث المتقدم من المتأخر ، وهذا إجماع .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعلم يقين موتهم أنه كان في حالة واحدة لم يتقدم بعض على بعض ، فهذا يقطع فيه التوارث بينهم بإجماع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يقطع أيهم مات قبل صاحبه ، ثم يطرأ الإشكال بعد العلم به ، فهذا يوقف من تركة كل واحد منهم ميراث من كان معه ويقسم ما سواه بين الورثة ، ويكون الموقوف موضوعا حتى يزول الشك أو يقع فيه الصلح .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يقع الشك فيهم ، فلا يعلم هل ماتوا معا أو تقدم بعضهم على بعض ، ثم لا يعلم المتقدم من المتأخر ، فمذهب الشافعي أنه يقطع التوارث بين بعضهم من بعض ويدفع ميراث كل واحد إلى غير من هلك معه من ورثته .

                                                                                                                                            وبه قال من الصحابة أبو بكر وابن عباس وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل والحسن بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ، وأصح الروايتين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وخارجة بن زيد بن ثابت ، [ ص: 88 ] ومن الفقهاء مالك وأبو حنيفة وأصحابه والزهري .

                                                                                                                                            وقال إياس بن عبد الرحمن : أورث بعضهم من بعض من تلاد أموالهم ، ولا أورث ميتا من ميت مما ورثه عن ذلك الميت ، وبه قال من الصحابة علي بن أبي طالب ، وإحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ومن التابعين شريح والحسن البصري ، ومن الفقهاء الشعبي والنخعي والثوري وابن أبي ليلى وإسحاق بن راهويه استدلالا بأن إشكال التوارث لا يمنع من استحقاقه كالخناثى .

                                                                                                                                            والدليل على سقوط التوارث بينهم أن من أشكل استحقاقه لم يحكم له بالميراث كالجنين ، وكما لو أعتق عبدا مات أخوه وأشكل هل كان عتقه قبل موته أو بعده ؟ لم يرثه بالإشكال ، ولأن من لم يرث بعض المال لم يرث باقيه كالأجانب ، فأما الخناثى فإنما وقف أمره مع الإشكال : لأن بيانه مرجو وليس كذلك الغرقى لفوات البيان .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية