الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الكلالة فقد روي عن عمر - رضي الله عنه - أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها فقال : تكفيك آية الصيف ، يعني قوله في آخر سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة [ النساء : 176 ] : لأنها نزلت في يوم صائف فلم يفهمها عمر وقال لحفصة - رضي الله عنهما - : إذا رأيت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيب نفس فاسأليه ، فرأت منه طيب نفس فسألت عنها فقال لها : أبوك كتب لك هذا ، ما أرى أباك يعلمها أبدا ، فكان عمر يقول : ما أراني أعلمها [ ص: 92 ] أبدا ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قال . وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : ثلاث لأن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة ، والخلافة ، والربا . وإنما لم يزده النبي - صلى الله عليه وسلم - في بيان الكلالة : لأن في الآية من الإشارة ما يكتفي به المجتهد ، وقد كان عمر - رضي الله عنه - من أهل الاجتهاد ، وإن قصر عن إدراكه لعارض .

                                                                                                                                            وقد اختلف في الكلالة فروي عن ابن عباس في إحدى الروايتين عنه أن الكلالة ما دون الولد تعلقا بقوله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد [ النساء : 176 ] ، وقال قوم : الكلالة ولد الأم تعلقا بقوله تعالى : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت [ النساء : 12 ] ، يعني : في أم . فاقتضى أن يكون هو الكلالة .

                                                                                                                                            وقال الجمهور : إن الكلالة ما عدا الولد والوالد ، وهذا قول أبي بكر وعلي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك .

                                                                                                                                            ووجه ذلك أن ولد الأم لما سقطوا مع الوالد لسقوطهم مع الولد دل على أن الكلالة من عدا الوالد والولد ، وقد ذكر أبو إسحاق المروزي في شرحه عن عمرو بن شعيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الأخ من الأب والأم أولى من الكلالة ، ولأن الكلالة مصدر من تكلل النسب تشبها بتكلل أغصان الشجرة على عمودها ، فالوالد أصلها والولد فرعها ومن سواهما من المناسبين كالأغصان المتكللة عليها ، وقيل : إن الكلالة من تكلل طرفاه فخلا عن الآباء والأبناء ، وقيل : إن الكلالة مأخوذة من الإحاطة ، ومنه سمي الإكليل لإحاطته بالرأس ، فسمي هؤلاء كلالة لإحاطتهم بالطرفين ، وقد قال الفرزدق في سليمان بن عبد الملك في وصول الخلافة إليهم عن آبائهم لا عن غيرهم :


                                                                                                                                            ورثتم قناة الملك غير كلالة عن ابن مناف عبد شمس وهاشم



                                                                                                                                            وقال الآخر :


                                                                                                                                            فإن أبا المرء أحمى له     ومولى الكلالة لا يغضب



                                                                                                                                            يعني : مولى غير الوالد والولد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية