الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما إخراج ما تعلق بماله من الحقوق فضربان : حقوق الله تعالى ، وحقوق الآدميين .

                                                                                                                                            فأما حقوق الله تعالى فالزكوات والكفارات .

                                                                                                                                            أما الزكوات فزكاة الفطر وأعشار الزروع والثمار واجبة إجماعا .

                                                                                                                                            وأما زكاة الأموال فقد أسقطها أبو حنيفة ولم يوجبها إلا على بالغ عاقل .

                                                                                                                                            وعندنا تجب بالحرية والإسلام على كل صغير وكبير ، عاقل ومجنون ، وقد مضى الكلام معه في كتاب الزكاة .

                                                                                                                                            وإذا وجبت لزم إخراجها ولم يجز تأخيرها عن مستحقها ، وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " ليس للولي إخراج الزكاة عنه ويتركها في ماله حتى يبلغ الصبي فيخرجها عن نفسه " .

                                                                                                                                            [ ص: 347 ] ودليلنا : ما روي أن علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - ولي مال يتيم ، فلما بلغ سلم إليه المال ، فنقص كثيرا ، فقالوا له : نقص المال ، فقال : احسبوا قدر الزكاة والنقصان ، فحسبوا فوافق ، فقال : أتراني ألي مالا ولا أخرج زكاته ؟

                                                                                                                                            فلو لم يخرجها الولي لزم اليتيم إذا بلغ أن يخرجها بنفسه ، وأما حقوق الآدميين فنوعان :

                                                                                                                                            أحدهما : حق وجب باختيار كالديون فعلى الولي قضاؤها إذا ثبتت وطالب بها أربابها ، فإن أبرئوا منها سقطت ، وإن أمسكوا عن المطالبة من غير إبراء ، نظر في مال اليتيم ، فإن كان ناضا ، ألزمهم الولي قبض ديونهم أو الإبراء منها ، خوفا من أن يتلف المال ويبقى الدين .

                                                                                                                                            وإن كان أرضا أو عقارا ، تركهم على خيارهم في المطالبة بديونهم إذا شاءوا .

                                                                                                                                            والنوع الثاني : ما وجب بغير اختيار الجنايات وهي ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : على مال ، فيكون غرم ذلك في ماله كالديون .

                                                                                                                                            والثاني : على نفس ، وذلك ضربان : عمد ، وخطأ . فإن كان خطأ فديته على عاقلته لا في ماله ، وإن كان عمدا ففيه قولان من اختلاف قوليه في عمد الصبي هل يجري مجرى العمد أو مجرى الخطإ :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه جار مجرى العمد ، فعلى هذا تكون الدية في ماله .

                                                                                                                                            والثاني : أنه جار مجرى الخطإ ، فعلى هذا تكون الدية على عاقلته .

                                                                                                                                            فأما الكفارة ففي ماله على القولين معا .

                                                                                                                                            وقال مالك وأبو حنيفة : " لا كفارة على الصبي " .

                                                                                                                                            فهذا ما يجب على الولي في حق اليتيم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية