الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " غير أن الذمي إذا ادعاه ووجد في دار الإسلام فألحقته به أحببت أن أجعله مسلما في الصلاة عليه وأن آمره إذا بلغ بالإسلام من غير إجبار ( وقال ) في كتاب الدعوى إنا نجعله مسلما لأنا لا نعلمه كما قال ، قال المزني : عندي هذا أولى بالحق : لأن من ثبت له حق لم يزل حقه بالدعوى فقد ثبت للإسلام أنه من أهله وجرى حكمه عليه بالدار ، فلا يزول حق الإسلام بدعوى مشرك ، قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : فإن أقام بينة أنه ابنه بعد أن عقل ووصف الإسلام ، ألحقناه به ومنعناه أن ينصره ، فإذا بلغ فامتنع من الإسلام لم يكن مرتدا ، نقتله وأحبسه وأخيفه رجاء رجوعه . قال المزني - رحمه الله - : قياس من جعله مسلما أن لا يرده إلى النصرانية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في ذمي ادعى لقيطا ولدا وألحقناه به نسبا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 56 ] أحدهما : أن يلحق به بعدما صار مسلما وصلى وصام والتزم شرائع الإسلام ، فهذا يجرى عليه حكم الإسلام وإن لحق نسبه بذمي : لأن فعله للإسلام أقوى من اتباعه لغيره في الكفر ، فهل يصير بوصف الإسلام قبل البلوغ مسلما حتى لو رجع عنه بعد البلوغ صار مرتدا أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة .

                                                                                                                                            أحدها : أنه لا يصير بذلك مسلما ، وسواء ألحق بالذمي بمجرد الدعوى أو ببينة شهدت له بأنه ولد على فراشه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يلحق به في صغره وطفولته وقبل صلاته وصيامه ، فهذا على ضربين : أحدهما أن يلحق به ببينة تشهد بأنه ولد على فراشه ، فهذا تجري عليه أحكام الكفر تبعا لأبيه : لأن قيام البينة العادلة لولادته على فراشه تأصل عن حكم الأصل في ظاهر الدار . والضرب الثاني : أن يلحق به بمجرد الدعوى من غير بينة ففيه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : ينقل من حكم الإسلام إلى حكم الكفر : لأنه صار لاحقا بكافر فصار الظاهر غير ذلك الظاهر .

                                                                                                                                            والقول الثاني وهو اختيار المزني : أنه يكون باقيا على حكم الإسلام ولا ينقل عنه للحوقه بكافر : لأن حكم الدار أقوى من دعوى محتملة ، فعلى هذا إن خيف عليه من افتتانه بدين أبيه حيل بينه وبين أبيه وأخذ بنفقته حتى يبلغ ، فإن بلغ ووصف الإسلام تحقق حكمه فيه ، وإن وصف الكفر ومال إلى دين أبيه أرهب وخوف رجاء عوده ، فإن أبى إلا المقام على الكفر فبعدا له ولا يصير بذلك مرتدا ، ويقر على ما اختاره لنفسه من الكفر : لأن فعله أقوى حكما من غالب الدار ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية