مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وللأم الثلث ، فإن كان للميت ولد أو ولد ولد أو اثنان من الإخوة أو الأخوات فصاعدا ، فلها السدس إلا في فريضتين ، إحداهما زوج وأبوان ، والأخرى امرأة وأبوان ، فإنه يكون في هاتين الفريضتين للأم ثلث ما يبقى بعد نصيب الزوج أو الزوجة ، وما بقي فللأب " .
قال الماوردي : اعلم أن : للأم في ميراثها ثلاثة أحوال
إحداهن : أن يفرض لها الثلث وهو أكمل أحوالها ، وذلك إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعدا من الإخوة والأخوات ، قال الله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء 11 ] ، فاقتضى الكلام أن الباقي بعد ثلث الأم للابن ، وهذا الثلث قد تأخذه تارة كاملا ، وقد تأخذه تارة عائلا .
والحالة الثانية : أن يفرض لها السدس وذلك أقل أحوالها إذا حجبت عن الثلث وحجبها عن الثلث إلى السدس يكون بصنفين :
أحدهما : الولد أو ولد الابن يحجب الأم عن الثلث إلى السدس ذكرا كان أو أنثى ، كما قلنا في حجب الزوج والزوجة ، وسواء في ذلك الولد أو ولد الابن بالإجماع إلا ما خالف فيه مجاهد وحده حيث لم يحجب بولد الابن ، وقد تقدم ذكره .
والدليل على ذلك قوله تعالى : وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس [ النساء : 11 ] .
والصنف الثاني : حجبها بالإخوة والأخوات ، فالواحد منهم لا يحجبها إجماعا ، والثلاثة من الإخوة والأخوات يحجبونها عن الثلث إلى السدس إجماعا لقوله تعالى : وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء 11 ] ، وسواء كان الإخوة لأب وأم أو لأب أو أم ، وسواء كان الإخوة ذكورا أو إناثا ، وقال الحسن البصري : لا أحجب الأم بالأخوات المنفردات تعلقا بقوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء : 11 ] .
واسم الإخوة لا ينطلق على الأخوات بانفرادهن ، وإنما يتأولهن العموم إذا دخلن مع الإخوة تبعا ، وهذا خطأ : لأن الله تعالى إنما أراد بذلك الجنس ، وإذا كان الجنس مشتملا على الفريقين غلب في اللفظ حكم التذكير ، على أن الإجماع يدفع قول الحسن عن هذا القول .
فأما فالذي عليه الجمهور أنها تحجب بهما إلى السدس ، وهو قول حجب الأم بالاثنين من الإخوة والأخوات عمرو وعلي وزيد بن مسعود - رضي الله عنهم - والشافعي ومالك وأبي حنيفة وجماعة الفقهاء ، وانفرد عبد الله بن عباس فخالف الصحابة بأسرهم فلم يحجبها إلا بالثلاثة من الإخوة والأخوات فصاعدا ، وهي إحدى مسائله الأربعة التي خالف فيها جميع الصحابة استدلالا بظاهر قوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس [ النساء 11 ] فذكر [ ص: 99 ] الإخوة بلفظ الجمع ، وأقل الجمع المطلق ثلاثة .
وروي أن عبد الله بن عباس دخل على عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - فقال : ما بال الأخوات يحجبن الأم عن الثلث والله تعالى يقول : فإن كان له إخوة [ النساء 11 ] فقال عثمان : ما كنت لأغير شيئا توارث الناس عليه وصار في الآفاق . فدل هذا القول من عثمان على انعقاد الإجماع ، وإن لم ينقرض العصر على أن الأخوين يحجبانها ، ولم يأخذ بقول ابن عباس أحد ممن تأخر إلا داود بن علي .
والدليل على صحة ما ذهب إليه إجماع من حجبها بالاثنين من الإخوة والأخوات هو أن كل عدد روعي في تغيير الفرض فالاثنان منهم يقومان مقام الجمع : كالأختين في الثلثين ، وكالأخوين من الأم في الثلث ، فكذلك في الحجب .
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ، وقد جاء في كتاب الله تعالى في العبارة عن الاثنين بلفظ الجمع في قوله تعالى : الاثنان فما فوقهما جماعة إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض [ ص : 22 ] ، فذكرهم بلفظ الجمع وهم اثنان ، وقال تعالى : وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين [ الأنبياء 78 ] ، فإذا ثبت هذا لم يمتنع ذلك في ذكر الإخوة في الحجب بلفظ الجمع ، وإذا كان كذلك وجب حجبها بما اتفق عليه الجمهور من الاثنين فصاعدا ، سواء كانا أخوين أو أختين أو أخ وأخت لأب وأم أو لأب أو لأم .