فصل : ولو كان ما ، ففيه قولان : أوصى به عنه عن الحج تطوعا
أحدهما : أن الوصية باطلة .
والثاني : جائزة .
فإذا قيل ببطلان الوصية ، كان الحج عن الأجير ، لا عن المستأجر عنه وفي استحقاقه للأجر قولان .
فإذا قيل بجواز الوصية ، نظر مخرج كلامه فيها ، فله فيه أربعة أحوال :
أحدها : أن يقول أحجوا عني بمائة درهم من الثلث .
والثاني : أن يقول أحجوا عني بما اتسع له الحج من الثلث .
والثالث : أن يقول : أحجوا عني بالثلث .
والرابع : أن يقول أحجوا عني .
فأما الحال الأول وهو أن يقول : أحجوا عني بمائة درهم من الثلث ، فلا يزاد عليها ولا ينقص ، مع احتمال الثلث لها .
ثم لا يخلو إما أن يسمي من يحج بها ، أو لا يسميه ، فإن لم يسمه دفعت إلى من يحج بها واحدا من أفضل ما يوجد ، ثم لا تخلو المائة من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون بقدر أجرة المثل ، إما من بلده ، أو من الميقات ، فتدفع إلى وارث ، أو غير وارث ، لأنها وإن كانت في الثلث وصية ، فهي في مقابله عمل ، فلم تصر له وصية [ ص: 247 ] وصارت كالموصي يشتري عبدا يعتق عنه ، جاز أن يشتري من الوارث وإن كان ثمنه في الثلث ؛ لأنه في مقابله بدل .
والقسم الثاني : أن يكون بقدر أجرة المثل ، فتدفع إلى أجنبي ولا يجوز أن تدفع إلى وارث ؛ لأن فيها وصية بالزيادة .
والقسم الثالث : أن يكون أقل من أجرة المثل ، فإن وجد من يحج عنه أحججناه وارثا كان أو غير وارث ، فإن لم يوجد من يحج بها ، بطلت الوصية بالحج وعادت ميراثا ولم يزد في الثلث على أهل الوصايا ، كمن أوصى بمال لرجل ، فرد الوصية ، عادت إلى الورثة دون أهل الوصايا .
وإن سمى من يحج بها بمائة لم يعدل بها عنه إلى غيره ، مع إمكان دفعها إليه ، ثم لا تخلو حالها من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون بقدر أجرة المثل فتدفع إلى المسمى لها وارثا كان أو غير وارث .
فإن لم يقبلها المسمى بها ، دفعت حينئذ إلى غيره .
والقسم الثاني : أن يكون أكثر من أجرة المثل ، فلا يخلو المسمى لها من أن يكون وارثا أو غير وارث .
فإن كان وارثا فالزيادة على أجرة المثل وصية يمنع منها الوراث .
فإن وصى بأجرة المثل منها ، دفعت إليه دون غير وردت الزيادة على الورثة .
وإن لم يرض إلا بالمائة كلها ، منع منها ولم يجز أن تدفع إليه لما فيها من الوصية لها وعدل إلى غيره بأجرة المثل دون المائة ؛ لأن الزيادة على أجرة المثل وصية بمسمى ويعود الباقي ميراثا .
وإن كان المسمى غير وارث دفعت إليه المائة إن قبلها وإن لم يقبلها عدل إلى غيره بأجرة المثل وعادت الزيادة عليها ميراثا .
والقسم الثالث : أن تكون المائة أقل من أجرة المثل ، فإن قنع المسمى بها ، دفعت إليه وارثا كان أو غير وارث .
وإن لم يقنع بها ووجد غيره مما يقنع بها ، دفعت إليه ؛ لأنه ليس فيها وصية للمسمى فتبطل بالعدول وإن لم يوجد من يحج عادت ميراثا ولم يرجع إلى الثلث .
فأما إن عجز الثلث عن احتمال المائة كلها ، أخرج منها قدر ما احتمله الثلث فيصير هو القدر الموصى به ، فيكون على ما مضى .