الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا أعتق في مرضه أمة حاملا عتقت مع حملها ، سواء أراده أو لم يرده ؛ لأنه لا يجوز أن تلد الحرة مملوكا ، وفيما يقوم في ثلث العتق وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : تقوم الأمة حاملا يوم العتق ولا اعتبار بقيمة الولد ، فإن خرجت الأمة من الثلث نفذ عتقها وعتق ولدها وإن لم تخرج الأمة من الثلث عتق منها بقدر ما احتمله الثلث من نصف مثله ، وعتق من ولدها مثله ، ورق منها ما لم يحتمله الثلث ورق من ولدها مثله .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن ينظر بالأمة حتى تلد ، ثم تقوم بعد الولادة ويقوم الولد يوم ولد ويجمع بين القيمتين فيعتبر أنه في الثلث ، فإن احتملهما الثلث عتقا وإن لم يحتملهما الثلث عتق منهما معا بالسوية قدر ما احتمله الثلث ولم يقرع بينهما ، بخلاف العبدين ؛ لأن الولد تبع الأمة إذا كان حملا يعتق بعتقها ويرق برقها ، ولا يجوز أن يكون بينهما شيء لا يعتق من حملها مثله ، فعلى هذا لو كانت قيمة الأم مائة درهم وقيمة الولد يوم ولد خمسين درهما ، فإن كان الثلث مائة وخمسين درهما عتقا معا ، وإن كان الثلث مائة فهو بقدر ثلثي العبد فيعتق من الأم ثلثيها ستة وستين درهما وثلثي درهم ويعتق من الولد ثلثيه ثلاثة وثلاثين درهما وثلث درهم ورق ثلث الأم وثلث الولد ، ولو أن مريضا أعتق كل حمل أمته لم يسر العتق إلى الأم ، وكان الحمل وحده حرا ذكرا كان أو أنثى ، واحدا أو عددا ؛ لأن الأمة قد يجوز أن تلد حرا ؛ فلذلك لم يسر عتق الحمل إلى الأم ، والحرة لا يجوز أن تلد عبدا ؛ فلذلك سرى عتق الأم إلى الحمل .

                                                                                                                                            [ ص: 290 ] فعلى هذا تعتبر قيمة الحمل بعد الولادة وجها واحدا ، فلو أعتق الأم بعد عتق حملها نظر ، فإن كان الثلث محتملا لقيمة الأولاد والأم عتقوا جميعا كلهم ، وإن احتمل قيمة الأولاد دون الأم عتق الأولاد ورقت الأم من غير قرعة ؛ لأنه قدم عتقهم على عتق الأم ، ولو اتسع الثلث للأولاد وبعض الأم عتق جميع الأولاد وعتق من الأم قدر ما بقي من الثلث ، وكان باقيها رقا ، ولو ضاق الثلث عن قيمة الأولاد كلهم أقرع بين الأولاد وجرى عتق من احتمله الثلث منهم ، ورق من لم يحتمله الثلث مع الأم ، وإنما أقرع بينهم ولم يجعل ما احتمله الثلث من العتق مقسطا بينهم ؛ لأنه قد يجوز أن يعتق بعضهم ويرق بعضهم وقد أعتقهم بلفظة واحدة ، فصار كمن أعتق ثلاثة أعبد له بكلمة واحدة والثلث لا يحتمل إلا أحدهم ، عتق أحدهم بالقرعة .

                                                                                                                                            ولو أن مريضا أعتق أمة حاملا وأعتق حملها من بعد ذلك ، لم يكن لما استأنفه من عتق الحمل تأثيرا ؛ لأنهم قد أعتقوا مع الأم بالقول الأول .

                                                                                                                                            ولو أن صحيحا قال لعبده أو أمته : إذا جاء رأس الشهر فأنت حر ، ثم صار رأس الشهر والسيد في مرض موته ، كان عتقهم عتق صحة من رأس المال ؛ لأنه تلفظ به فيهم في حصته فلم تنتقل عن حكمه لحدوث المرض ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية