[ ص: 309 ] باب ما يكون رجوعا في الوصية  
مسألة : قال  الشافعي      - رحمه الله تعالى - : " وإذا  أوصى لرجل بعبد بعينه ، ثم أوصى به لآخر   فهو بينهما نصفان " .  
قال  الماوردي      : اعلم أن للموصي الرجوع في وصيته ؛ لأنها عطية لم يزل عنها ملك معطيها فأشبهت الهبات قبل القبض ، وإنما ليس له الرجوع في عطايا مرضه لزوال ملكه .  
ثم  الرجوع في الوصية   يكون بقول أو دلالة على ما سنذكره .  
وإذا كان حكم الوصية جاريا على ما ذكرناه فصورة مسألتنا هذه في رجل أوصى بعبده لزيد ، ثم أوصى به لعمرو فقد اختلف الناس في حكم ذلك على أربعة مذاهب :  
أحدها وهو مذهب  داود      : أنه يكون وصية للأول دون الثاني كالبيع والنكاح .  
والثاني وهو مذهب  الحسن   وعطاء   وطاوس      : أنه يكون وصية للثاني دون الأول ؛ لأنه بالرجوع أشبه .  
والثالث وهو مذهب  أبي عبد الرحمن الشافعي      : أن الوصية بها باطلة لا تصح لواحد منها لإشكال حالهما .  
والرابع وهو مذهب  الشافعي   ومالك   وأبى حنيفة      : أنها تكون وصية لهما فتجعل بينهما نصفين .  
وهكذا لو أوصى به لثالث ، جعلناه بينهم أثلاثا ، ولو أوصى به لرابع جعلناه بينهم أرباعا .  
والدليل على ذلك ثلاثة معان :  
أحدها : أنه لما كان قوله في وقت واحد : " قد أوصيت بعبدي هذا لزيد وأوصيت به لعمر " ، كان بينهما إجماعا ، فوجب أن يتراخى بين الوصيتين وأن يكون بينهما حجابا ؛ إذ لا فرق بين اقتران الوصيتين وبين اقترانهما .  
والثاني : أنه لما كان لو أوصى بثلث ماله لزيد ، ثم أوصى بعد زمان بثلث ماله لعمرو وأن الثلث إذا لم تجز الورثة بينهما كذلك يكون العبد بينهما في الوصية .  
والثالث : أنه قد يجوز أن تكون الوصية الثانية رجوعا ، ويجوز أن تكون لنسيان الأولى ، ويحتمل أن يقصد بها التشريك بين الأول والثاني ، فوجب أن يحمل مع هذا      [ ص: 310 ] الاحتمال على التشريك بينهما لاستوائهما في الوصية لهما ، وليس يلزم في الوصايا المطلقة تقديم الأول على الثاني ولا الثاني على الأول ، وإنما يلزم ذلك في العطايا الناجزة .  
				
						
						
