فصل : فإذا لم يسقط عنه الضمان . استقر ضمان الوديعة من أحد هذه الأقسام بالتعدي ، ثم كف عن تعديه وأعادها إلى حرزها
وقال أبو حنيفة ومالك : قد سقط عنه الضمان ، استدلالا بأن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها كالشدة المطربة في الخمر والردة الموجبة للقتل ، قالوا : ولأنه قد يضمن الوديعة بالإخراج كما يضمن المحرم الصيد بالإمساك ، فلما كان إرسال المحرم للصيد بعد إمساكه مسقطا للضمان وجب أن يكون إعادة المستودع لها بعد الإخراج مسقطا للضمان ، قالوا : ولأنه لما كان لو أخرجها من حرز المستودع سارق فضمنها سقط عنه الضمان بردها كان أولى إذا أخرجها المستودع فضمنها أن يسقط عنه الضمان بردها .
ودليلنا هو أنه ما ضمنت به الوديعة لم يسقط بارتفاع سببه كالجحود ، ولأن من ضمن باليد لم ينفرد بإسقاط الضمان كالغاصب ، ولأن الضمان إذا وجب بالإخراج من الحرز لم يخرج بالرد إلى الحرز كالسارق ، ولأنه قد خرج بالتعدي في الأمانة فلم يعد إليها إلا باستئناف أمانة وإلا كان أمين نفسه ، ولأن الضمان إذا تعلق بذمته لم يكن له سبيل إلا إبراء نفسه بنفسه ، فأما استدلالهم بأن الحكم إذا ثبت لعلة زال بزوالها فالعلة لم تزل ؛ لأن التعدي الأول انقطع ولم يرتفع ، وأما إرسال المحرم للصيد فإنما سقط عنه الضمان لأنه قد أعاده إلى حقه .
ومثاله من الوديعة أن يعيدها إلى مالكها ، وأما فقد اختلف أصحابنا في سقوط الضمان عنه إذا رده على المستودع على وجهين : السارق من المستودع
أحدهما : لا يسقط الضمان عنه ؛ لأنه غير مالكه .
والوجه الثاني : قد سقط عنه الضمان ؛ لأن المستودع على أمانته ، فصار عودها إلى يده كعودها إلى المالك وليس كذلك إذا كان المستودع هو الضامن له ؛ لأنه قد خرج من الأمانة .