[ ص: 429 ] باب
مسألة : قال تفريق الخمس الشافعي - رحمه الله - : " قال الله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية وروي أن جبير بن مطعم قال بني هاشم وبني المطلب أتيته أنا وعثمان بن عفان - رضي الله عنه - فقلنا يا رسول الله ، هؤلاء إخواننا من بني هاشم - لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم - أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما قرابتنا وقرابتهم واحدة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد هكذا ، وشبك بين أصابعه " . وروى جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعط بني عبد شمس ولا بني نوفل من ذلك شيئا " . إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قسم سهم ذي القربى بين
قال الماوردي : وقد مضى الكلام في أربعة أخماس الغنيمة ، فأما خمسها وخمس الفيء فهما سواء ، ولأربعة أخماس الفيء حكم يخالف حكم خمسه ، وخمس الفيء والغنيمة مقسوم على مذهب الشافعي على خمسة أسهم : ويصرف بعده في مصالح المسلمين العامة ، وسهم لذوي القربى من سهم كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته بني هاشم وبني المطلب باق لهم ما بقوا ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لبني السبيل .
وقال أبو العالية الرياحي : يقسم الخمس على ستة أسهم : سهم منها لله تعالى مصروف في رياح الكعبة وزينتها ، ثم الخمسة الأسهم بعده على ما وصفناه .
وقال بعض العلماء : يقسم الخمس على أربعة أسهم أسقط منها سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموته .
وقال أبو حنيفة : يقسم الخمس على ثلاثة أسهم : سهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لبني السبيل . وقال بعض العلماء : نقسم الخمس على أربعة أسهم أسقط منها سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسهم ذي القربى .
وقال مالك : يصرف الخمس مع أربعة أخماس الفيء في وجوه المصالح .
فأما أبو العالية فاستدل بقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول [ الأنفال : 41 ] فذكر الله تعالى نفسه من المستحقين فاقتضى أن يكون له .
ودليلنا ما روى محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ، فلو كان مقسوما على ستة لقال إلا السدس ، وروى ما لي مما أفاء الله [ ص: 430 ] عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم الخمس على خمسة أسهم .
فأما الآية فالجواب عنها أن تقديم ذكر الله تعالى إنما هو للتبرك باسمه ولإباحة المال بعد حظره ، وإلا فجميع الأموال له ولتغلظ حظر ذلك على غير من سماه .
وأما أبو حنيفة فاستدل على أن - ساقط بأمرين : سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم
أحدهما : أن من ملك في حياته حقا كان بعد موته إما موروثا وإما ساقطا ، فلما لم يكن سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موروثا سقط .
والثاني : أنه كان يملك سهمه من الخمس كما كان يملك من الغنيمة الصفي ، فلما سقط حقه من الصفي بموته سقط سهمه من الخمس به .
واستدل أيضا على أن لا حق لذوي القربى فيه إلا بالفقر من جملة اليتامى والمساكين بقوله تعالى : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم [ الحشر : 7 ] فحظروا بهذا التعليل على الأغنياء وثبوت حقهم فيه يوجب التسوية بين الفقراء والأغنياء ، فدل على سقوطه بما روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال : دعاني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقد عزل لنا فقلت إن سهم ذي القربى بني هاشم عنه في غناء وإن بالمسلمين خلة وفاقة ، فإن رأيت أن ترده عليهم ، فلما تركه للغني دل على أنهم كانوا يأخذونه بالفقر .
قال : ولأن كل مال لم يجز صرفه إلى أغنياء غير ذي القربى لم يجز صرفه إلى أغنياء ذي القربى كالصدقات : ولأنهم صنف مسمى في الخمس ، فوجب ألا يستحقوه مع الغنى كاليتامى ، والدليل على ما قلناه وهو أن سهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثابت في رواية محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فدل رده ثبوته وإن تغير حكمه لا على سقوطه . ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس والخمس مردود فيكم
وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون المسلمين : وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة ، فما فضل جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله ، ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوليها أبو بكر مثلما وليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم وليها عمر بمثل ما وليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر ، فموضع الدلالة من هذا الخبر أن كانت أموال أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - سلكا بحقه بعد وفاته مسلكه بحقه في حياته ، فدل على بقائه وثبوته ، ولأن ما استحق من سهام الخمس لم يسقط كسائر السهام .
[ ص: 431 ]