مسألة : قال الشافعي : " وعليهم أن يغزوا إذا غزوا ويرى الإمام في إغزائهم رأيه ، فإن استغنى مجاهده بعدد وكثرة من قربه أغزاهم إلى أقرب المواضع من مجاهدهم " .
قال الماوردي : وهذا صحيح لأمور ، منها : أنه لم يكن أحد يغزو على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بأمره ، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده . ولأن الإمام أعرف بأحوال العدو وفيما هم عليه من قوة وضعف وخصب وجدب واختلاف ووفاق . وينفذ من الجيش من يكافئ العدو في القلة والكثرة والقوة والضعف ، ولأنهم ربما اضطروا لتكاثر العدو عليهم إلى مدد فيمدهم ، ولأنهم ربما احتاجوا إلى ميزة فيميزهم ، ولأنه ربما عرف لاتصال الأخبار به من مكامن العدو ما سددهم . ليس لأحد من أهل الفيء والأعراب أن يغزوا إلا بأمر الإمام وإذنه
فبهذه الأمور ونظائرها ما منعوا من الغزو إلا بأمره ، فإذا أمرهم بالغزو لزمتهم طاعته وإجابته ، فإن لم يطيعوه مع ارتفاع الموانع سقطت أرزاقهم : لأن ما يرزقون من العطاء في مقابلة ما يأخذون به من الجهاد ، فإذا قعدوا عنه بعد الأمر سقط ما يعطونه عليه من الرزق ، كالزوجات لما استحقوا نفقاتهم بالطاعة سقطت بالنشوز . وإذا كان كذلك ، واقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتحقيقا لوعده تعالى وإظهارا على الدين كله ، وأقل ما عليه أن يغزو في كل عام مرة إما بنفسه أو خلفائه : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما تركه في كل عام منذ فرض عليه الجهاد ، وكي لا يمضي عطاء العام هدرا وكي لا يقوى العدو بالمشاركة وكي لا يألف أهل الجهاد الراحة . فينبغي للإمام أن يستفسر من الجهاد مع المكنة اتباعا لأمر الله تعالى