الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر اختصاص الزكاة بمكانها ووجوب تفريقها في ناحيتها ، فلا يخلو حال الزكاة من أن تكون زكاة مال ، أو زكاة فطر ، فإن كانت زكاة مال فالمراعى فيها مكان المال لا مكان المالك ، فلو كان في ناحية وماله في أخرى كان ناحية المال ومكانه أحق بتفريق زكاته فيها من ناحية المالك ، ثم في ناحية المال التي هي أحق بتفريق زكاته فيها وجهان لأصحابنا :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهما من المال لمسافة أقل من يوم وليلة : لأنها مسافة الإقامة التي لا يقصر في مثلها الصلاة فكانت حدا لمستحق الزكاة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها البلد الذي فيه المال وما أحاط به ببنائه دون ما خرج عنه ، وإن كانت زكاة زرع وثمر في صحراء لا بنيان فيها ففي أقرب البلاد والبنيان إليها ، وسواء كان البلد صغيرا أو كبيرا يكون جميع أهل البلد مستحقين لها وإن كانت زكاة مال ناض ، فإن كان البلد صغيرا فجميع أهله فيه سواء ، وإن كان البلد واسعا كالبصرة وبغداد كان جيران المال من أهل البلد أخص بها من غيرهم وهل يكون ذلك من طريق الأولى أو من طريق الاستحقاق ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم أولى بهما لأجل الجوار وإن لم يكونوا أحق ، فإن فرقت في غيرهم من أهل البلد أجزأ وإن عدل عن الأولى .

                                                                                                                                            [ ص: 484 ] والوجه الثاني : أنهم أحق بها ، وإن فرقت في غيرهم من أهل البلد لم يجزه ، وإذا قيل إن نقل الزكاة لا يجزئ لقوله تعالى : والجار ذي القربى والجار الجنب [ النساء : 36 ] ، يعني : الجار ذي القربى الجار القريب في نسبه وبالجار الجنب البعيد في نسبه ، فاعتبر في القريب والبعيد الجوار ثم قال : والصاحب بالجنب وفيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنه الرفيق في السفر [ وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة ] .

                                                                                                                                            والثاني : أنه الذي يلزمك ويصحبك رجاء نفعك [ وهو قول ابن زيد ] .

                                                                                                                                            والثالث : أنها الزوجة التي تكون إلى جنبك [ وهو قول ابن مسعود ] .

                                                                                                                                            هذا إذا كان رب المال هو المفرق لزكاته ، فأما إن فرقها الإمام أو عامله فجميع أهل البلد فيها سواء ، لما في مراعاة الإمام لذلك مع اجتماع الزكوات بيده في المشقة التي لا يقدر عليها ولا يمكنه حفظها ، فأما زكاة الفطر ، فإن كان مال المزكي في بلد أخرجها منه ، وإن كان ماله في غير بلده ففيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يراعى فيه بلد المال لا بلد المزكي ؛ لتعلق وجوبها بالمال ، فكان بلد المال أحق أن يراعى كسائر الزكوات .

                                                                                                                                            والثاني : أن يراعى فيه بلد المزكي : لأنها عنه لا عن ماله ، فكان بلده أن يراعى إخراجها فيه أولى من بلد ماله .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية