فصل : وأما الضرب الثاني من الشافعي في جواز تألفهم فهم أربعة أصناف : المسلمين الذين لم يختلف قول
أحدها : أن يكونوا من أعراب أو غيرهم من المسلمين في طرف من بلاد الإسلام بإزاء مشركين لا يقاتلونهم على الإسلام إلا بمال يعطونه ، إما لفقرهم وإما لضعف نيتهم وفي مسير المجاهدين إليهم مشقة عظيمة والتزام مال جزيل .
[ ص: 502 ] والصنف الثاني : أن يكون من ذكرنا بإزاء قوم مرتدين لا يقاتلونهم على الردة إلا بمال إما لفقر أو لضعف نية وفي تجهيز الجيش إليهم مؤنة ثقيلة .
والصنف الثالث : أن يكونوا بإزاء قوم من البغاة وهذه حالهم معهم .
والصنف الرابع : أن يكونوا بإزاء قوم مانعي الزكاة ولا يقاتلونهم على بذلها إلا بمال ؛ فهؤلاء الأصناف الأربعة يجوز تألفهم بالمال لما في تألفهم من معونة المسلمين ونفعهم والذب عنهم وفي ثلاثة أقاويل ورابع معلول : المال الذي يتألفون منه
أحدها : من سهم المؤلفة من الصدقات لأنهم من المؤلفة .
والقول الثاني : من سهم سبيل الله لأنهم غزاة .
والقول الثالث : من مال المصالح من الخمس لأنهم من جملة المصالح .
والقول الرابع : المعلول أنهم يعطون من سهم المؤلفة وسهم سبيل الله ، وهذا قول معلول لما فيه من الجمع في دفع الصدقة بين سببين من سهمين ؛ فاختلف أصحابنا في هذا القول على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن هذا على القول الذي جوز الشافعي فيه من سهمين إذا كانا فيه موجودين ، فأما على القول الذي منع فيه من ذلك فلا يعطون إلا من أحد السهمين . إعطاء الشخص الواحد من الزكاة الواحدة بسببين
والوجه الثاني : أن ذلك على ظاهره في إعطائهم من السهمين معا على القولين جميعا لوجود كل واحد من السببين فيهم مع الحاجة الداعية إليهم ، وإنما يمنع من إعطائه بالسببين لمن كانت حاجته إلينا .
والوجه الثالث : أنه مختلف باختلاف الحال فيمن قاتل منهم مانعي الزكاة أعطي من سهم المؤلفة ، ومن قاتل منهم المشركين أعطي من سهم الغزاة
والأصح عندي في هذا القول الرابع غير هذه الوجوه الثلاثة : أنه يجمع لهذه الأصناف كلها بين سهم المؤلفة وبين سهم سبيل الله في الجملة إلا أن يصبح الشخص الواحد منهم لا يجوز أن يعطى من السهمين ، لكن يعطى بعضهم من سهم المؤلفة ولا يعطى من سهم سبيل الله ، ويعطى بعضهم من سهم سبيل الله ولا يعطى من سهم المؤلفة ، فيكون الجمع بين السهمين للجنس العام والمنع من الجمع بينهما للشخص الواحد ، وهذا أصح ما يحمل عليه تخريج هذا القول الرابع ، والله أعلم .