الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما من أدان في مصلحة غيره فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون قد أدان في إصلاح ذات البين في تحمل دية لنفس ، أو طرف كف بها فتنة بين قبيلتين وقطع بها حربا بين طائفتين ، فهذا يعطى من سهم الغارمين مع الفقر والغنى الناض والعقار ، ولا يراعى فيه فقر ولا اعتبار لرواية سفيان عن هارون بن رباب عن كنانة بن نعيم عن قبيصة بن المخارق : أنه تحمل بحمالة فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله فقال : نؤديها عنك ونخرجها من نعم الصدقة ، يا قبيصة . إن المسألة حرمت إلا في ثلاثة : رجل تحمل بحمالة فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ، ورجل أصابته حاجة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة وفاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه فقد حلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ثم يمسك ، وما سوى ذلك من المسألة فهو سحت ، ولأن ذلك غرم من المصالح العامة ، فكان أولى من الغرم في المصالح الخاصة ، ولأنه لما جاز أن يعطى في الغرم من حاجته إلينا ، فأولى أن يعطى في الغرم من حاجتنا إليه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون قد أدان في صلاح ذات البين في غرم مال كف به فتنة ومنع به حربا ، فيجوز أن يعطى مع الفقر والغنى بالعقار ، وفي جواز إعطائه مع الغنى وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز كالغرم في الدم لما فيهما من قطع الفتنة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يجوز : لأن للدم فضلا على غيره .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون قد أدان في مصلحة لا تتعلق بقطع فتنة ولا منع حرب كرجل أدان في عمارة مسجد ، أو جامع ، أو بناء حصن ، أو قنطرة ، أو فك أسرى ، أو ما جرى مجرى ذلك من المصالح العامة التي تتعلق لحسم فتنة ، فهذا يجوز أن يعطى مع الفقر والغنى بالعقار ولا يجوز أن يعطى مع الغنى بالناض : لأنه في النفع متردد بين الأمرين فاقتضى أن يكون فيه مترددا متوسطا بين الحكمين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية