مسألة : قال الشافعي : " ويقبل عن البلد لأنه غير قوي حتى تعلم قوته بالمال ، ومن طلب بأنه يغزو أعطي ، ومن طلب بأنه غارم أو عبد بأنه مكاتب لم يعط إلا ببينة : لأن أصل الناس أنهم غير غارمين حتى يعلم غرمهم ، والعبيد غير مكاتبين حتى تعلم كتابتهم ، ومن طلب بأنه من المؤلفة لم يعط إلا بأن يعلم ذلك وما وصفت أنه يستحقه به " . قال قول ابن السبيل أنه عاجز الماوردي : وهذا صحيح والذي قصده الشافعي بذلك أن يبين ونحن نذكر حكم كل صنف من الأصناف الثمانية . من يقبل قوله من أهل السهمان في استحقاق الصدقة ومن لا يقبل قوله إلا ببينة
أما الفقراء والمساكين ، فإن لم يعلم لهم غناء متقدم قبل قولهم في الفقر والمسكنة من غير بينة وإن علم لهم مال متقدم لم يقبل قولهم في تلفه وفقرهم إلا ببينة تشهد لهم بذلك ، وأما العاملون عليها فحالهم في العمل أشهر من أن يحتاجوا إلى بينة أو تحليف يمين .
وأما المؤلفة قلوبهم فلا يرجع إلى قولهم : لأنهم ممن تدعو الضرورة إليهم بظهور الصلاح وتألفهم .
وأما المكاتبون فلا يقبل قولهم في دعوى الكتابة إلا ببينة تشهد بها وبالباقي منها : لأن الأصل أنهم غير مكاتبين ، فإذا تصادق المكاتب والسيد عليها وعلى الباقي منها ففيه وجهان :
[ ص: 511 ] أحدهما : أن تصادقهما يغني عن البينة بعد إحلافهما : لأنه قد صار بالتصادق مكاتبا في الظاهر .
والوجه الثاني : أنه لا يقبل ذلك منهما مع التصادق إلا ببينة لأنهما قد يتواطآن على ذلك اجتلابا للنفع .
وأما الغارمون ، فمن استدان منهم في إصلاح ذات البين فحاله فيه أظهر من أن يكلف عليه بينة ، فإن شك في قضائه الدين من ماله أحلف : لأن الأصل بقاؤه . ومن أدان في مصلحة نفسه لم يقبل قوله في دعوى الدين إلا ببينة : لأن الأصل براءة الذمة ، فإن تصادق الغارم ورب الدين كان على ما ذكرنا من الوجهين .
وأما ابن السبيل فالقول قوله في فقره والقول قوله في إرادته للسفر ، وفي إحلافه على أنه مريد للسفر وجهان :
أحدهما : يحلف على إرادة السفر ولا يعطى إلا بعد يمينه ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .
والوجه الثاني : لا يحلف : لأنه إن لم يسافر استرجع منه ، وهذا قول أبي علي بن أبي هريرة .
وأما الغازي فيقبل قوله فيما يريد أن يستأنفه من غزوه وهل يحلف على إرادة الغزو أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : يحلف وهو قول المروزي .
والثاني : لا يحلف وهو قول ابن أبي هريرة .