فصل : ولما استقر نفور  قريش   بعد سورة النجم عادوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بأمرين :  
أحدهما :  مراسلة  النجاشي   فيمن هاجر إليه      .  
 [ ص: 17 ] والثاني : تحالفهم على  بني هاشم   وبني المطلب   فيمن بقي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .  
فأما مراسلة  النجاشي   فأنفذوا فيها  عمرو بن العاص   ،  وعمارة بن الوليد بن المغيرة   مع هدايا له ولأصحابه : ليعلموه أن من هاجر إليه من المسلمين قد أفسدوا الأديان ، وربما أفسدوا دينك ودين قومك ، وكان نصرانيا ، فجمع بينهم ، وفلحت حجة المسلمين عليهم ، ولم يظفروا بطائل ، وعاد  عمرو   ، وهلك  عمارة      .  
وأما تحالفهم على الناس فإن  قريشا   أجمعت رأيها ، وتعاقدت على  مقاطعة  بني هاشم    ، وأن لا يناكحوهم ، ولا يبايعوهم ، ولا يساعدوهم في شيء من أمورهم حين أقام  أبو طالب   على نصرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكتبوا ما تعاقدوا عليه من ذلك في صحيفة ، وعلقوها في سقف  الكعبة   ، فجمع  أبو طالب   جميع  بني هاشم   ،  وبني المطلب   مسلمهم وكافرهم ، وعاهدهم على إجماع الكلمة ، ودخول الشعب ، فأجابوا إلا  أبا لهب   وولده : فإنهم انحازوا عنهم إلى  قريش   ، وأقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الشعب مع  أبي طالب   وسائر  بني هاشم   وبني المطلب   مدة ثلاث سنين لا يصل إليهم الطعام إلا سرا ، ولا يدخل عليهم أحد إلا مستخفيا ، إلى أن بدأ من  قريش   هشام بن عمرو      : فكلم  زهير بن أبي أمية   ، ثم كلم  المطعم بن عدي   ، ثم كلم  أبا البختري      : يقبح لكل منهم قبيح ما ارتكبوه من قطيعة الأرحام في  بني هاشم   وبني المطلب   ، فوافقوه واجتمعوا من غد في نادي  قريش   على نقض الصحيفة ، وبدأ بالكلام  هشام بن عمرو   ، فرد عليه  أبو جهل   ، فتكلم  زهير بن مطعم   وأبو البختري   بمثل كلام  هشام      . فقال  أبو جهل      : هذا أمر أبرم بليل ، وأحضرت الصحيفة من سقف  الكعبة   ، وقد أكلتها الأرضة إلا قولهم : " باسمك اللهم " فإنه بقي ، وشلت يد كاتبها ، وهو  منصور بن عكرمة   ، وخرج  بنو هاشم   وبنو المطلب   مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى  مكة   منتشرين فيها كما كانوا .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					