الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإن مات هذا الحربي وله أمان على ذريته وماله لم ينتقض أمان ورثته بموته كما لا ينتقض بنقض الأمان ، وكان ماله موروثا لورثته من أهل الحرب دون أهل الذمة ، لارتفاع التوارث بين أهل الذمة وأهل الحرب ، وسواء كان موت هذا المستأمن في دار الحرب أو دار الإسلام ، وإذا صار موروثا فلورثته حالتان .

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكونوا ممن لهم أمان على أموالهم ، فينقل إليهم هذا الميراث على أمانه كموت الذمي إذا كان وارثه ذميا .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون ورثته ممن لا أمان لهم على أموالهم وهي مسألة الكتاب ، ففي بقاء الأمان على المال بعد موت مالكه قولان :

                                                                                                                                            [ ص: 220 ] أحدهما : - وهو منصوص عليه في هذا الموضع - أنه يزول بموت مالكه ، وينتقل إلى الورثة بغير أمان فيصير إلى بيت المال فيئا ، وقول الشافعي : إنه مغنوم . يريد أنه فيء ؛ وإنما كان كذلك لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه كان لمالك له أمان فصار لمالك ليس له أمان .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان الأمان على النفس لا يورث وجب أن يكون الأمان على المال لا يورث .

                                                                                                                                            والقول الثاني : نص عليه في كتاب المكاتب ، واختاره المزني أنه يكون الأمان على المال باقيا ولا ينتقض بموت مالكه ، وينتقل إلى ورثته بأمانه لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لما جاز أن ينفرد الأمان بالمال دون المالك ، لم ينتقض باختلاف المالك ، كما لو ارتفع أمان مالكه بعوده إلى دار الحرب مستوطنا .

                                                                                                                                            والثاني : أن المال ينتقل إلى الوارث بحقوقه كما لو استحقت به شفعة ، أو كان في ديته رهن ، وأمان هذا المال من حقوقه ، فوجب أن ينتقل بحق أمانه إلى وارثه ، فهذا توجيه القولين ، وكان أبو علي بن خيران يمنع من تخريج ذلك على قولين ويحمله على اختلاف حالين : فالموضع الذي جعله مغنوما إذا شرط أمانه مدة حياته ، والموضع الذي جعله باقيا على ورثته إذا شرط أمانه في مدة حياته وبعد موته ، وليس هذا بمانع من اختلاف القولين : لأنهما من إطلاق الأمان إذا لم يتقيد بشرط ، وهو في تقييده بالشرط على ما حكاه ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية