الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وليس له أن يغتالهم في أموالهم وأنفسهم لأنهم إذا أمنوه فهم في أمان منه ولو حلف وهو مطلق كفر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن للأسير إذا أطلق في دار الحرب أربعة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يؤمنوه ويستأمنوه ، فيحرم عليه بعد استئمانهم له أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم ، لقوله تعالى : ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود [ المائدة : ا ] . إلا أن ينقضوا أمانهم له ، فينتقد به أمانه لهم ، لقوله تعالى : وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء [ الأنفال : 58 ] . ولو استرقوه بعد أمانهم كان الاسترقاق نقضا لأمانهم واستئمانهم .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن لا يؤمنوه ولا يستأمنوه ، فلا يكون الإطلاق استئمانا كما لم يكن أمانا ، ويجوز أن يغتالهم في أنفسهم وأموالهم ، ولو أطلقوه بعد أن استرقوه لم يكن الاسترقاق أمانا فيهم ولا أمانا لهم .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يستأمنوه ، ولا يؤمنوه ، فينظر ، فإن كان لا يخافهم إما لقدرته على الخروج ، وإما لثقته بكفهم عنه ، فهم على أمانهم منه لا يجوز أن يغتالهم في نفس [ ص: 271 ] ولا مال ، وإن لم يأمنهم ، فلا أمان لهم ، ويجوز له اغتيالهم ، لقوله تعالى : فانبذ إليهم على سواء ، [ الأنفال : 58 ] .

                                                                                                                                            والحال الرابعة : أن يؤمنوه ولا يستأمنوه ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - إنهم لا أمان لهم منه ، وإن عقدوا له أمانا منهم : لأن تركهم لاستئمانه قلة رغبة في أمانه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : - وهو الظاهر من مذهب الشافعي ، وقول جمهور أصحابه - إنه قد صار لهم بأمانهم له أمان منه ، وإن لم يستأمنوه ، لما يوجبه عقد الأمان من التكافؤ فيه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية