الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا بأس أن يصالحهم على خرج على أراضيهم يكون في أموالهم مضمونا كالجزية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها أن يصالح الإمام أهل بلد من دار الحرب على خراج يضعه على أرضهم ، يستوفيه كل سنة من أموالهم : فهو على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ينعقد الصلح على أن تكون أرضهم للمسلمين ، فقد صارت بهذا الصلح من دار الإسلام ، وصاروا بإقرارهم فيها أهل ذمة لا يقرون إلا بجزية ، ولا يجزئ الخراج المأخوذ من أرضهم عن جزية رءوسهم : لأنه أجرة حتى يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرءوس ، فإن أسلموا سقطت عنهم جزية رءوسهم ، ولم يسقط عنهم خراج أرضهم .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن ينعقد الصلح على أن تكون الأرض باقية على أملاكهم ، والخراج المضروب عليها مأخوذا منهم ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ينعقد الشرط على أمانهم منا ، ولا ينعقد على ذبنا عنهم ، فتكون أرضهم مع هذا الشرط من جملة دار الحرب ، ويكونوا فيها أهل عهد ، ولا يكونوا أهل ذمة ، ولا تؤخذ منهم جزية رءوسهم : لأنهم مقيمون في دار الحرب لا في دار الإسلام ، فيقتصر على أخذ الخراج منهم قل أو كثر ، ويكون الخراج كالصلح يجري عليه حكم الجزية ، وليس بجزية .

                                                                                                                                            فإن أسلموا أسقط الخراج عنهم ، وصارت أرضهم أرض عشر .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا يسقط عنهم خراج الأرض بإسلامهم : لأنها قد صارت بالصلح أرض خراج ، فلم يجز أن ينتقل إلى العشر : لنفوذ الحكم به ، وهذا غير صحيح : لأن ما استحق بالكفر سقط بالإسلام كالجزية .

                                                                                                                                            واحتجاجه بنفوذ الحكم فنفوذه مقصور على مدة الكفر .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن ينعقد الشرط على أمانهم منا ، وذبنا عنهم ، فقد صارت [ ص: 371 ] أرضهم بهذا الشرط دار‌ الإسلام ، وصاروا فيها أهل ذمة لا يقرون إلا بجزية ، ويكون خراج أرضهم مع بقائها على ملكهم جزية عن رءوسهم ، فلا يلزم أن يجمع عليهم بين خراج الأرض وجزية الرءوس .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : لا تسقط جزية رءوسهم بخراج الأرض ، وأجمع عليهم بين الجزية والخراج : لأن خراج الأرض عوض عن إقرارها عليهم ، والجزية عن حراسة نفوسهم ، فلم يسقط أحدهما بالآخر ، وهذا فاسد : لأنه لما جاز أن يقرهم بالجزية دون الخراج ، ويكون ذلك عوضا عنهما جاز أن يقرهم بالخراج دون الجزية ، فيكون ذلك عوضا عنها : لأن كل واحد منهما ينوب عنهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية