ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هلال ذي القعدة : لأنه شرط على لعمرة القضاء قريش حين صدوه في الحديبية عن عمرته أن يقضيها من العام المقبل ، فنادى في أصحابه أن لا يتخلف أحد ممن شهد الحديبية ، فخرجوا جميعا إلا من قتل منهم أو مات ، وخرج معهم من المسلمين عمار لم يشهدوا الحديبية ، حتى صاروا في عمرة القضية ألفين وقاد مائة فرس ، وخرجوا بالسلاح ، واستخلف على المدينة أبا رهم الغفاري وساق معه ستين بدنة ، وخرج في مثل الشهر الذي صد فيه ، وسار على ناقته القصواء حتى انتهى إلى ذي الحليفة ، فأحرم من باب المسجد ، ولبى وأحرم معه المسلمون ، ولبوا ، وقدم أمامه محمد بن مسلمة في الخيل إلى مر الظهران ، وسار حتى دخل مكة من ثنية الحجون ، والمسلمون متوشحون بالسيوف ، يمشون حوله ملبين ، وابن رواحة آخذ بزمام ناقته وهو يقول :
[ ص: 57 ]
خلوا بني الكفار عن سبيله قد أنزل الرحمن في تنزيله في صحف تتلى على رسوله
إني شهيد أنه رسوله يا رب إني مؤمن بقيله
أعرف حق الله في قبوله فاليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ضربا يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن عباس : إنما أمر بالسعي في الثلاث والمشي في الأربعة بقيا عليهم ، ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا راكبا على راحلته ، ونحر هديه عند المروة ، وقال : كل فجاج مكة منحر وفعل المسلمون مثل فعله ، وكان قد استوقف قوما منهم ببطن يأجح فمر من طاف وسعى ، فوقف موقفهم ، وجاء من تخلف هناك فطافوا وسعوا ، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة فلم يزل فيها إلى الظهر ، وأمر بلالا فأذن على ظهر الكعبة ، وأقام بمكة ثلاثا ، وتزوج زوجه بها ميمونة بنت الحارث الهلالية العباس بن عبد المطلب ، ولما كان عند الظهر من اليوم الرابع أتاه سهيل بن عمرو ، وحاطب بن عبد العزى ، فقال له : قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ، وكان قد نزل في قبة من أدم بالأبطح ، فأمر أبا رافع ، فنادى بالرحيل ، وأن لا يمسي بمكة أحد من المسلمين ، وركب حتى نزل سرف ، وأقام أبو رافع بمكة حتى أمسى ، ثم حمل ميمونة ، فبنى بها بسرف ، وحمل معه عمارة بنت حمزة بن عبد المطلب ، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن [ ص: 58 ] حارثة ، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر : لأن خالتها كانت عنده ، وقال : الخالة والدة ، ثم أدلج حتى قدم أسماء بنت عميس المدينة .