فصل : فإذا ثبت أن ، يفعل منهما أصلحها في كل أسير ، فعليه أن يقدم عرض الإسلام عليهم ، فإن لم يسلموا : نظر فمن كان منهم عظيم العداوة شديد النكاية ، فهو المندوب إلى قتله : فيقتله صبرا ، يضرب العنق لقول الله تعالى : الإمام أو أمير الجيش مخير في الأسرى بين أربعة أشياء فضرب الرقاب [ محمد : 4 ] .
وقوله : فاضربوا فوق الأعناق [ الأنفال : 12 ] . ولا يمثل به لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة ، وقال : . إن الله كتب عليكم الإحسان في كل شيء حتى في القتل : فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة
فإن قيل : فقد مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في حر الرمضاء ، فعنه جوابان :
أحدهما : أنه فعل ذلك في متقدم الأمر ثم نهي .
والثاني : أنه فعل ذلك بهم جزاء وقصاصا : لأنهم قتلوا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومثلوا به : فقاتلهم عليه بمثله وقد قال الله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ النحل : 126 ] . ولا يجوز أن يحرقهم بالنار ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : . لا يعذب بعذاب الله غير الله
فإن قيل : فقد جمع خالد بن الوليد حين قاتل أهل الردة باليمامة جماعة من الأسرى ، وألقاهم في حفيرة وأحرقهم بالنار ، وأخذ رأس زعيمهم فأوقده تحت قدره ، قيل عنه جوابان :
أحدهما : أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنكرا ذلك من فعله وبرئا إلى الله من فعله .
والثاني : أنها كانت حالا لم ينتشر فيها حكم النهي ، ففعل خالد من ذلك ما اقتضاه حكم السياسة عنده : لأنه كان في متقدم الإسلام ، وكانوا أول قوم تظاهروا [ ص: 176 ] بالردة بعد قبض الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا بمسيلمة الكذاب ، فأظهر بما فعل من إحراقهم بالنار ، أعظم العقوبات لارتكابهم أعظم الكفر ، ثم علم بالنهي فكف وامتنع ، فإن ادعى واحد ممن أمر الإمام بقتله أنه غير بالغ ، نظر ، فإن لم ينبت شعر عانته قبل قوله ، وإن نبت شعر عانته لم يقبل قوله بغير بينة ، وفي قبول قوله مع البينة قولان بناء على اختلاف قوليه في الإنبات هل يكون بلوغا أو دلالة عليه ؟
فإن قيل : إنه بلوغ لم تسمع بينته وقتل ،
وإن قيل : إنه دلالة على البلوغ سمعت بينته أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة ولم يقتل ، فهذا حكم القتل .