الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا سقط قتلهم بعد الإسار بالإسلام ، فقد قال الشافعي هاهنا : فإن أسلموا بعد الإسار رقوا ، وإن أسلموا قبل الإسار فهم أحرار ، وظاهر هذا الكلام أنهم قد صاروا رقيقا بالإسلام من غير استرقاق ، وقال في موضع آخر : إنهم لا يصيرون رقيقا حتى يسترقوا ، فخرجه أصحابنا على قولين : أحدهما : أنهم قد رقوا بالإسلام : لأن كل أسير حرم قتله رق كالنساء والصبيان ، فعلى هذا يسقط خيار الإمام في الفداء والمن .

                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو أصح أنهم لا يرقون إلا بالاسترقاق : لأن سقوط الخيار من القتل لا يوجب سقوطه في الباقي كالكفارة ، إذا سقط خياره في العتق لعدمه لم يسقط خياره فيما عداه ، فعلى هذا يكون الإمام على خياره فيه بين الاسترقاق أو الفداء أو المن ، لما روي أن العقيلي أسر وأوثق في الحرة ، فمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : بم أخذت وأخذت سابقة الحاج ، فقال : بجريرتك وجريرة حلفائك من ثقيف ، فقال : إني جائع فأطعمني ، وعطشان فأسقني ، فأطعمه وسقاه ، فقال له : أسلم ، فأسلم ، فقال : لو قلتها قبل هذا لأفلحت كل الفلاح ، وفاداه برجلين من المسلمين .

                                                                                                                                            فدل هذا الخبر على أنه لا يرق بالإسلام حتى يسترق ، وأنه لا يسقط خياره في الفداء والمن .

                                                                                                                                            [ ص: 180 ] وقوله : وأخذت سابقة الحاج يعني بها ناقة كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سابقة الحاج ، أخذها المشركون وصارت إلى العقيلي ، فأخذت منه بعد أسره ، فأراد بذلك أن سابقة الحاج قد أخذت مني ففيم أوخذ بعدها ، فقال له : بجريرتك وجريرة قومك ، يعني بجنايتك وجناية قومك : لأنهم نقضوا عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                            فإن قيل : فكيف يؤخذ بجناية غيره من قومه .

                                                                                                                                            قيل : لما كان منهم ومشاركا لهم في أفعالهم صار مشاركا لهم في الأخذ بجنايتهم ، فأما إن سقط عنه القتل ، به الإسار ببذل الجزية على ما ذكرناه من الوجهين لم يرق ببذلها قولا واحدا ، حتى يسترق وكان الإمام فيه على خياره بين استرقاقه ومفاداته والمن عليه : بخلاف الإسلام في أحد القولين لأن بقاء كفره يوجب إبقاء أحكامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية