مسألة : قال  الشافعي      : " وإذا التقوا والعدو فلا يولوهم الأدبار  قال  ابن عباس      " من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر "     ( قال  الشافعي      ) هذا على معنى التنزيل فإذا  فر الواحد من الاثنين   فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت بحضرته أو مبينة عنه فسواء ، ونيته في التحريف والتحيز ليعود للقتال المستثنى المخرج من سخط الله ، فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله أن يكون قد باء بسخط من الله " .  
قال  الماوردي      : قد ذكرنا أن  الجهاد   من فروض الكفايات قبل التقاء الزحفين ، ومن فروض الأعيان إذا التقى الزحفان لقول الله تعالى :  ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا      [ الأنفال : 45 ] . فأمر بمصابرة العدو بعد لقائه ، والثبات لقتاله ، وقال تعالى :  يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا       [ آل عمران : 200 ] . الآية ، وفيه تأويلان :  
أحدهما : اصبروا على طاعة الله ، وصابروا أعداء الله ، ورابطوا في سبيل الله ، وهذا قول  الحسن   وقتادة      .  
والثاني : اصبروا على دينكم ، وصابروا الوعد الذي وعدكم ، و " رابطوا " عدوي وعدوكم ، وهذا قول  محمد بن كعب      .  
وقوله :  لعلكم تفلحون       [ آل عمران : 200 ] . أي لتفلحوا ، وفيه تأويلان :  
أحدهما : لتؤدوا فرضكم .  
والثاني : لتنصروا على عدوكم .  
 [ ص: 181 ] وأصل هذا أن الله تعالى أوجب في ابتداء فرض الجهاد على كل مسلم أن يصابر في القتال عشرة من المشركين بقوله تعالى :  ياأيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون      [ الأنفال : 65 ] . وفيه تأويلان :  
أحدهما : لا يعلمون ما فرض الله عليكم من الإسلام .  
والثاني : لا يعلمون ما فرض الله عليكم من القتال ، ثم إن الله تعالى نسخ ذلك عنهم عند كثرتهم واشتداد شوكتهم لعلمه بدخول المشقة عليهم ، فأوجب على كل مسلم لاقى المشركين محاربا أن يقف بإزاء رجلين بعد أن كان عليه أن يقف بإزاء عشرة تخفيفا ورخصة بقوله تعالى :  الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين      [ الأنفال : 66 ] . وفيه تأويلان :  
أحدهما : بمعونة الله .  
والثاني : بمشيئة الله ،  والله مع الصابرين   وفيه تأويلان :  
أحدهما : مع الصابرين على القتال في معونتهم على عدوهم .  
والثاني : مع الصابرين على الطاعة في قبول عملهم وإجزال ثوابهم ، فصار فرضا على كل رجل مسلم لاقى عدوه زحفا في القتال أن يقاتل رجلين مصابرا لقتالهما ، ولا يلزمه مصابرة أكثر من رجلين ، وليس المراد به الواحد إذا انفرد أن يصابر قتال رجلين وإنما المراد به الجماعة من المسلمين إذا لاقوا عدوهم أن يصابروا قتال مثلي عددهم . هذا مذهب  الشافعي   ، وبه قال  عبد الله بن عباس      .  
وقال  أبو حنيفة      : هذا إخبار من الله تعالى عن حالهم ، وموعد منه إذا صابروا مثلي عددهم أن يغلبوا ، وليس بأمر مفروض اعتبارا بلفظ القرآن ، وأنه خارج مخرج الخبر دون الأمر .  
وقال  الحسن البصري   ،  وقتادة      : هو خارج مخرج الأمر ، لكنه خاص في أهل  بدر   دون غيرهم ، وكلا القولين فاسد : لأنه لو خرج مخرج الخبر لم يجز أن يكون بخلاف مخبره وقد يوجد أحيانا خلافه ، ولم يجز أن يختص بأهل  بدر   لنزول الآية بعد  بدر   ، وأن من قاتل  ببدر   إن لم يخفف عنهم لم يغلظ عليهم ، فثبت أنه أمر من الله تعالى محمول على العموم .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					