مسألة : قال الشافعي : " ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف إلا أن يكونوا ملتحمين : فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده ، فإن أصاب في هذه الحال مسلما : قال في كتاب حكم أهل الكتاب : أعتق رقبة ، وقال في موضع آخر من هذا الكتاب : إن كان علمه مسلما : فالدية مع الرقبة . ( قال المزني ) - رحمه الله - ليس هذا عندي بمختلف ، ولكنه يقول : إن كان قتله مع العلم بأنه محرم الدم مع الرقبة ، فإذا ارتفع العلم فالرقبة دون الدية " .
قال الماوردي : وصورتها أن ، إما ليدفعونا عنهم ، وإما ليفتدوا بهم نفوسهم ، فالكلام فيها يشتمل على فصلين : يتترس المشركون بمن في أيديهم من المسلمين
أحدهما : في الكف عنهم .
والثاني : في ضمان من قتل من المسلمين فيهم .
فأما الفصل الأول : في الكف عنهم فهو على ضربين :
أحدهما : أن يكون في غير التحام الحرب ، فواجب أن يكف عن رميهم قولا واحدا ، بخلاف ما لو تترسوا بأطفالهم في جواز رميهم على أحد القولين : لأن نفس المسلم محظورة لحرمة دينه ، ونفوس أطفالهم محظورة لحرمة المغنم ، ولو كان في [ ص: 188 ] دارهم مسلم ، ولم يتترسوا به جاز رميهم بخلاف لو تترسوا به : لأنهم إذا تترسوا به كان مقصودا ، وإذا لم يتترسوا به فهو غير مقصود ، فهذا حكمه في وجوب الكف عن رميهم ، فأما الكف عن حصارهم فعلى ضربين :
أحدهما : أن يأمن على ما في أيديهم من أسرى المسلمين أن يقتلوهم ، فيجوز حصارهم والمقام على قتالهم .
والضرب الثاني : أن لا يأمن عليهم ، ويغلب في الظن أنهم يقتلونهم ، إن أقمنا على قتالهم فهذا على ضربين :
أحدهما : أن لا يكون علينا في الكف عنهم ضرر ، فالواجب أن يكف عن حصارهم استبقاء لنفوس المسلمين : لئلا يتعجل بقتلهم ضررا وليس في متاركتهم ضرر .
والضرب الثاني : أن يكون علينا في الكف عن المشركين ضرر لخوفنا منهم على حريم المسلمين وحرمهم ، فلا يجب الكف عنهم ولا الامتناع عن قتالهم ، فإن قتلوهم استدفاعا لأكثر الضررين بأقلهما وكان وجوب المقام على قتالهم معتبرا بالضرر المخوف منهم ، فإن كان معجلا وجب المقام عليهم ، وإن كان مؤجلا لم يجز المقام إلا عند تجدده وحدوثه ، فهذا حكم الضرب الأول إذا تترسوا بهم قبل التحام القتال .