قال الماوردي : وجملة المشركين بعد الظفر بهم ينقسم أربعة أقسام :
أحدها : المقاتلة أو من كان من أهل القتال وإن لم يقاتل فهو من المقاتلة ، ويجوز قتلهم على ما قدمناه من خيار الإمام فيهم .
والقسم الثاني : وهم أهل الرأي والتدبير منهم دون القتال ، فيجوز قتلهم أيضا شبانا كانوا أو شيوخا ، قدروا على القتال أو لم يقدروا : لأن التدبير علم بالحرب ، والقتال عمل ، والعلم أصل للعمل ، وقد أفصح المتنبي حيث قال :
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
ولأن التدبير أنكى وأضر وهو من الشيخ أقوى وأصح ، هذا دريد بن الصمة أشار على هوازن يوم حنين أن يتجردوا للقتال ، ولا يخرجوا معهم الذراري ، فخالفه مالك بن عوف النضري وخرج بهم فهزموا فقال دريد في ذلك :[ ص: 193 ]
وأمرتهم أمري بمنعرج اللوى      فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد  
والقسم الثالث : من الذراري من النساء والأطفال ، فلا يجوز أن يقتلوا في المعركة إلا أن يقاتلوا فيقتلوا دفعا لأذاهم ، فأما بعد الأسر فلا يجوز أن يقتلوا ، سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا لنفي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والذراري والولدان ، ولأنهم سبايا مسترقون قد ملكهم الغانم كالأموال .
والقسم الرابع : من اعتزل القتال والتدبير من رجالهم ، إما لعجز كالزمني وذوي الهرم من الشيوخ ، وإما لتدين كالرهبان ، وأصحاب الصوامع والديارات ، شبابا كانوا أو شيوخا ، ففي إباحة قتلهم قولان :
أحدهما : قاله في كتاب حكم أهل الكتاب لا يجوز قتلهم ، وهو مذهب أبي حنيفة لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : اقتلوا الشرخ واتركوا الشيخ ، الشرخ : الشباب ، ومنه قول الشاعر :
على شرخ الشباب تحية      فإذا لقيت ددا فقط من دد  
وروي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لزياد بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، وشرحبيل بن حسنة لما بعثهم إلى الشام : أوصيكم بتقوى الله ، اغزوا في سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله ، ولا تغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تفسدوا في الأرض ، ولا تعصوا ما تؤمرون ، ولا تقتلوا الولدان ولا النساء ولا الشيوخ ، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم على الصوامع فدعوهم ، وما حبسوا له أنفسهم ، وستجدون أقواما اتخذ الشيطان في أوساط رءوسهم أفحاصا ، فإذا وجدتموهم فاضربوا أعناقهم ، والأفحاص أن يحلقوا أوساط رءوسهم يقال لهم : الشمامسة ، ذكره أبو عبيدة ، ولأن من لم يقاتل في الغزو لم يقتل في الأسر كالذراري .
والقسم الثاني : نص عليه في سير الواقدي واختاره المزني ، يجوز أن يقتلوا لعموم قول الله تعالى : فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [ التوبة : 5 ] .
[ ص: 194 ] وروى الحسن البصري ، عن سمرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : اقتلوا شيوخ أهل الكتاب واستحيوا شرخهم ، يعني استبقوا شبابهم أحياء ومنه قوله تعالى : يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم [ القصص : 4 ] . فأمر بقتل الشيوخ واستبقاء الشباب لأمرين :
أحدهما : أنه لا نفع في قتل الشيوخ ، وفي الشباب نفع .
والثاني : أن رجوع الشباب عن كفره أقرب من رجوع الشيخ ، ويحتمل أن يريد بالشرخ غير البالغين وهو أشبه : لأن من كان من أهل القتال جاز قتله ، وإن قعد عن القتال كالمقاتل ، ولأن من استحق سهما إذا كان مسلما جاز قتله وإذا كان كافرا كالمقاتل .
				
						
						
