مسألة : قال  الشافعي      : " وإن أسلم وقد مضى بعض السنة أخذ منه بقدر ما مضى منها " .  
قال  الماوردي      : وهذا صحيح ، إذا  أسلم الذمي بعد وجوب الجزية عليه   لم تسقط بإسلامه .  
وقال  أبو حنيفة      : تسقط عنه بإسلامه استدلالا بقول الله تعالى :  حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون      [ التوبة : 29 ] . والمسلم لا صغار عليه ، وبقوله تعالى :  قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف   ، [ الأنفال : 38 ] . وقد انتهى بالإسلام ، فوجب أن يغفر له ما سلف من الجزية .  
وبما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  الإسلام يجب ما قبله     .  
وبما روى  محارب بن دثار   عن  ابن عمر   ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :  لا جزية على مسلم  ، وهذا نص .  
ومن القياس : أنها عقوبة تتعلق بالكفر ، فوجب أن تسقط بالإسلام كالقتال . ولأن الجزية تؤخذ منه صغارا وذلة ، والمسلم لا صغار عليه ، فوجب سقوطها عنه .  
ودليلنا : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :  الزعيم غارم  وقد ضمنها ، فوجب أن يلزمه غرمها .  
 [ ص: 314 ] ومن القياس : أنه مال استقر ثبوته في ذمته ، فوجب أن لا يسقط بإسلامه كالديون .  
فإن قيل : يبطل بالزوجين الوثنيين إذا أسلم الزوج منهما قبل الدخول سقط عنه صداقها بإسلامه .  
قيل : صداقها إنما بطل بوقوع الفرقة كما يبطل صداقها بالردة ، لوقوع الفرقة ألا ترى أن من تكلم في صلاته ، فبطلت بكلامه حل له الكلام ببطلان الصلاة لا بالكلام ؟  
فإن قيل : إنما لم يسقط عنه الدين بإسلامه : لأنه يجوز أن يثبت ابتداؤه في إسلامه ، وسقطت الجزية بإسلامه : لأنه لا يجوز أن يثبت ابتداؤها في إسلامه .  
فالجواب عنه : أنه تبطل علة الأصل بالموت : لأنه يمنع من ابتداء الدين ولا يمنع من استدامته ، وتبطل علة الفرع بالاسترقاق ، ويمنع الإسلام من ابتدائه ، ولا يمنع من استدامته ، ولأن الجزية والخراج مستحقان بالكفر ، لما لم يسقط بالإسلام ما وجب من الخراج لم يسقط به ما وجب من الجزية .  
وتحريره قياسا : أنه مال مستحق بالكفر ، فلم يسقط ما وجب منه بالإسلام كالخراج ، وعبر عنه بعض أهل خراسان   بأن ما وجب على الكافر بالالتزام لم يسقط بالإسلام كالخراج ، ولأن الجزية معاوضة عن حقن الدم والمساكنة ، فلم يسقط ما وجب منها بالإسلام كالأجرة .  
وأما الجواب عن قوله تعالى :  وهم صاغرون   ، [ التوبة : 129 ] . فهو أن الصغار علة في الوجوب دون الأداء ، ووجوبها يسقط بالإسلام ، وأداؤها لا يسقط .  
وأما الجواب عن قوله تعالى :  يغفر لهم ما قد سلف   ، [ الأنفال : 38 ] . فهو أن الغفران مختص بالآثام دون الحقوق .  
وأما الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم - :  الإسلام يجب ما قبله  ، فهو أنه يقطع وجوب ما قبله ، ولا يرفع ما وجب منه .  
وأما الجواب عن قوله :  لا جزية على مسلم  فهو أنه محمول على ابتداء الوجوب دون الاستيفاء .  
وأما الجواب عن قياسهم على القتل ، فهو أن الجزية معاوضة ، وليست عقوبة ، ثم هو منتقض بالاسترقاق لا يبطل بالإسلام ، وإن وجب بالكفر ، ثم المعنى في القتل أنه وجب بالإصرار على الكفر ، وقد زال الإصرار بالإسلام ، فلذلك سقط . والجزية وجبت معاوضة عن المساكنة ، وتلك المساكنة لم تنزل ، فلم تسقط بالإسلام .  
 [ ص: 315 ] وأما الجواب عن قولهم : إنهم صغار ، فهو أنه منتقض بالاسترقاق ، وبالخراج ، ويفسد بالحدود ، وهي عقوبة وإذلال ، ولا تسقط بالعقوبة بعد الوجوب على أن الصغار عليه ، في الوجوب دون الاستيفاء وقد يمنع الإسلام من وجوب ما لا يمنع من استيفائه كذلك الجزية .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					