مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو قال : اكتبوا بثلثي التوراة والإنجيل فسخته لتبديلهم قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم الآية .
قال
الماوردي : وهذا صحيح .
nindex.php?page=treesubj&link=14252الوصية بكتب التوراة والإنجيل باطلة ، سواء كان الموصي بها مسلما أو ذميا ، وتصح عند قوم استدلالا بأمرين :
أحدهما : أنها من كتب الله المنقولة ، بالاستفاضة ، فاستحال فيه التبديل كالقرآن .
والثاني : أن التبديل وإن ظهر منهم ، فقد كان في حكم التأويل ، ولم يكن في لفظ التنزيل ، والله تعالى قد أخبر عنهم ، وخبره أصدق أنهم بدلوا كتبهم ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا [ البقرة : 79 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46يحرفون الكلم عن مواضعه [ النساء : 46 ] . فأخبر أنهم قد نسبوا إليه ما ليس منه ، وحرفوا عنه ما هو منه ، وهذا صريح في تبديل المعنى واللفظ ، وإذا كان مبدلا كانت تلاوته معصية لتبديله ، لا لنسخه ، فإن في القرآن منسوخا يتلى كتلاوة الناسخ ، وإذا كانت تلاوته معصية كانت الوصية بالمعصية باطلة .
[ ص: 394 ] فأما قولهم ، إنه مستفيض النقل ، فاستحال فيه التبديل ، فالجواب عنه : أن الاستفاضة شرطان :
أحدهما : أن ينقله جم غفير ، وعدد كثير ينتفي عنهم التواطؤ ، والتساعد على الكذب والتغيير .
والثاني : أنه يستوي حكم طرفي النقل ووسطه .
وهذا ، وإن وجد فيه أحد الشرطين من كثرة العدد ، فإنه لم يوجد فيه الشرط الثاني في استواء الطرفين والوسط : لأن التوراة حين أحرقها
بختنصر : اجتمع عليها أربعة من
اليهود لفقوها من حفظهم ، ثم استفاضت عنهم ، فخرجت عن حكم الاستفاضة .
فإن قيل : فهذا يعود على القرآن في استفاضة نقله : لأن الذي حفظه من الصحابة ستة ، فلم توجد الاستفاضة في طرفيه ووسطه .
قيل : لئن كان الذي يحفظ جميع القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ستة ، فقد كان أكثر الصحابة يحفظون منه سورا أجمعوا عليها ، واتفقوا على صحتها فوجدت الاستفاضة فيهم بانضمامهم إلى الستة .
وقولهم : إنهم غيروا التأويل دون التنزيل : لأنهم قد أنكروا تغيير التأويل كما أنكروا تغيير التنزيل ولم يكن إنكارهم حجة في تغيير التأويل ، وكذلك لا يكون حجة في تغيير التنزيل : لأن الله تعالى قد أخبر أنهم غيروه ، فاقتضى حمله على عموم الأمرين من غير تخصيص .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : " وَلَوْ قَالَ : اكْتُبُوا بِثُلُثِي التَوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ فَسَخْتُهُ لِتَبْدِيلِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ الْآيَةَ .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذَا صَحِيحٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=14252الْوَصِيَّةُ بِكَتْبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ بَاطِلَةٌ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوصِي بِهَا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا ، وَتَصِحُّ عِنْدَ قَوْمٍ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمَنْقُولَةِ ، بِالِاسْتِفَاضَةِ ، فَاسْتَحَالَ فِيهِ التَّبْدِيلُ كَالْقُرْآنِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ التَّبْدِيلَ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُمْ ، فَقَدْ كَانَ فِي حُكْمِ التَّأْوِيلِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِي لَفْظِ التَّنْزِيلِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ عَنْهُمْ ، وَخَبَرُهُ أَصْدَقُ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كُتُبَهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=79فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [ الْبَقَرَةِ : 79 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=46يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ [ النِّسَاءِ : 46 ] . فَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ نَسَبُوا إِلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ، وَحَرَّفُوا عَنْهُ مَا هُوَ مِنْهُ ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَبْدِيلِ الْمَعْنَى وَاللَّفْظِ ، وَإِذَا كَانَ مُبَدَّلًا كَانَتْ تِلَاوَتُهُ مَعْصِيَةً لِتَبْدِيلِهِ ، لَا لِنَسْخِهِ ، فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا يُتْلَى كَتِلَاوَةِ النَّاسِخِ ، وَإِذَا كَانَتْ تِلَاوَتُهُ مَعْصِيَةً كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْصِيَةِ بَاطِلَةً .
[ ص: 394 ] فَأَمَّا قَوْلُهُمْ ، إِنَّهُ مُسْتَفِيضُ النَّقْلِ ، فَاسْتَحَالَ فِيهِ التَّبْدِيلُ ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ : أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ شَرْطَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَنْقُلَهُ جَمٌّ غَفِيرٌ ، وَعَدَدٌ كَثِيرٌ يَنْتَفِي عَنْهُمُ التَّوَاطُؤُ ، وَالتَّسَاعُدُ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّغْيِيرِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ يَسْتَوِي حُكْمُ طَرَفِي النَّقْلِ وَوَسَطِهِ .
وَهَذَا ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ الشَّرْطُ الثَّانِي فِي اسْتِوَاءِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ : لِأَنَّ التَّوْرَاةَ حِينَ أَحْرَقَهَا
بُخْتَنَصَّرُ : اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةٌ مِنَ
الْيَهُودِ لَفَّقُوهَا مِنْ حِفْظِهِمْ ، ثُمَّ اسْتَفَاضَتْ عَنْهُمْ ، فَخَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الِاسْتِفَاضَةِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَذَا يَعُودُ عَلَى الْقُرْآنِ فِي اسْتِفَاضَةِ نَقْلِهِ : لِأَنَّ الَّذِي حَفِظَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ سِتَّةٌ ، فَلَمْ تُوجَدْ الِاسْتِفَاضَةُ فِي طَرَفَيْهِ وَوَسَطِهِ .
قِيلَ : لَئِنْ كَانَ الَّذِي يَحْفَظُ جَمِيعَ الْقُرْآنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةً ، فَقَدْ كَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ يَحْفَظُونَ مِنْهُ سُوَرًا أَجْمَعُوا عَلَيْهَا ، وَاتَّفَقُوا عَلَى صِحَّتِهَا فَوُجِدَتِ الِاسْتِفَاضَةُ فِيهِمْ بِانْضِمَامِهِمْ إِلَى السِّتَّةِ .
وَقَوْلُهُمْ : إِنَّهُمْ غَيَّرُوا التَّأْوِيلَ دُونَ التَّنْزِيلِ : لِأَنَّهُمْ قَدْ أَنْكَرُوا تَغْيِيرَ التَّأْوِيلِ كَمَا أَنْكَرُوا تَغْيِيرَ التَّنْزِيلِ وَلَمْ يَكُنْ إِنْكَارُهُمْ حُجَّةً فِي تَغْيِيرِ التَّأْوِيلِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي تَغْيِيرِ التَّنْزِيلِ : لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ غَيَّرُوهُ ، فَاقْتَضَى حَمْلَهُ عَلَى عُمُومِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ .