الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني ، وهو أن يعلم المتقدم بالرمي وتشكل صفة الرمي ، فهي مسألة الكتاب .

                                                                                                                                            وصورتها : أن يعرف الأول والثاني ، ويشكل هل أثبته الأول أو الثاني ؟ فيرجع فيه إلى الاستدلال بالظاهر ، فأول الاستدلال بالظاهر أن يعتبر حال وقوفه ، فإن وقف عند رمية الأول ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني .

                                                                                                                                            وإن وقف عن رمية الثاني ، فالظاهر أن الثاني أثبته دون الأول ، وإن لم يكن في اعتبار الوقوف بيان اعتبر بعده صفة الرمي ، فإن كانت الأولى في مقتل ، والثانية في غير مقتل ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني ، وإن كانت الأولى في غير مقتل ، والثانية في مقتل ، فالظاهر أن الثاني أثبته دون الأول ، وإن كانت الأولى في مقتل ، والثانية في مقتل ، فالظاهر أن الأول أثبته دون الثاني ، وإن كانت الأولى في غير مقتل ، والثانية في غير مقتل ، فهي حالة إشكال : لترددها بين إثبات الأول والثاني ، وهما في الجواز على سواء ، وقد انتفى الإشكال عما تقدمه في الحكم بالظاهر ، فإن أضيف إلى إثبات الأول كان هو المالك ، وصار الثاني جارحا تعتبر صفة جراحته في الأكل ، والغرم ، وإن أضيف إلى إثبات الثاني كان هو المالك ، وتكون جراحته ذكاة سواء كانت في محل الذكاة أو غيرها ، وكانت جراحة الأول هدرا : لتقدمها على ملك الثاني وإن لم تضف إلى إثبات أحدهما : لبقاء الإشكال تعلق بإشكاله حكمان :

                                                                                                                                            أحدهما : في الملك .

                                                                                                                                            والثاني : في إباحة الأكل .

                                                                                                                                            فأما الملك ، فقد نص الشافعي هاهنا أنه يكون بينهما نصفين ، فاختلف أصحابنا فيه على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يكون بينهما اعتبارا بالظاهر من نصه ، وتعليلا بتكافئهما فيه بالاحتمال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو أظهر أنه يكون للثاني منهما : لأننا على يقين من إثباته في رمية الثاني ، وفي شك من إثباته برمية الأول ، توجب أن يكون ملحقا باليقين دون الشك ولمن قال بهذا عن نص الشافعي جوابان :

                                                                                                                                            [ ص: 47 ] أحدهما : أنه محمول على الإشكال في الراميين في التقدم ، فيكون بينهما نصفين ، فأما مع معرفة المتقدم منهما ، فيكون للثاني ، ولا يشتركان فيه تعليلا بما قدمناه .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أنه محمول على الشك في التقدم والاجتماع ، فيكون بينهما لجواز اجتماعهما ، وكلام الشافعي يدفع هذا الجواب ، والأول أشبه .

                                                                                                                                            وأما إباحته الأكل ، فلم يصرح فيه الشافعي هاهنا بشيء ، وإن كان فحوى كلامه من جعله بينهما دليلا على إباحته ، فاختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه مباح الأكل : لأنه على أصل الامتناع ، فصار على أصل الإباحة ، وهذا تعليل في جعله ملكا للثاني ، ولم يشتركا فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنه محرم الأكل : لأنه يجوز أن يثبته الأول ، فيحرم برمي الثاني ، ويجوز أن يثبته الثاني فيحل ، فصار مترددا بين حظر وإباحة ، فغلب حكم الحظر على الإباحة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : أن يقارب بين رمية الأول ، ورمية الثاني حل أكله ، وإن تطاول ما بينهما حرم : لأن الذكاة لا تدرك في قريب الزمان ، وتدرك في طويله .

                                                                                                                                            والوجه الرابع : إن كانت الرمية الأولى لا يثبت الصيد بمثلها في الغالب حل أكله اعتبارا بالغالب في امتناعه وإثباته .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية