الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ولو قال إلى حين فليس بمعلوم : لأنه يقع على مدة الدنيا ويوم ، والفتيا أن يقال له : الورع لك أن تقضيه قبل انقضاء يوم : لأن الحين يقع عليه من حين حلفت ولا نحنثك أبدا : لأنا لا نعلم للحين غاية " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الحين من الزمان فجمعهم لا حد له في الشرع عندنا ، وحده أبو حنيفة بستة أشهر ، وحده مالك بسنة ، فإذا حلف ليقضينه حقه إلى حين لم يحنث على مذهب الشافعي إلا بفوات القضاء بموته أو موت صاحب الحق .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : إن قضاه في ستة أشهر بر ، وإن قضاه بعدها حنث ، وقال مالك : إن قضاه إلى سنة بر ، وإن قضاه بعدها حنث ، واستدلالنا على ذلك بقول الله تعالى : تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها فقدره أبو حنيفة بستة أشهر ؛ لأنها في النخل مدة حملها من أول طلعها إلى آخر جذائها ، وقدره مالك بسنة ؛ لأنها تحمل من كل سنة ، فتكون من الإطلاع إلى الإطلاع ستة .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أن الحين اسم مبهم ، ينطلق على قليل الزمان ، كقوله تعالى : فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون [ الروم : 17 ] ، وأراد به أقل من يوم ، وينطلق على مدة الدنيا لقوله تعالى : ولتعلمن نبأه بعد حين [ ص : 88 ] ، يعني يوم القيامة ، وينطلق على ما بين الزمانين كقوله تعالى : هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن [ الإنسان : 1 ] يعني تسعة أشهر هي مدة حمله ، وقيل : هي أربعون سنة إشارة إلى آدم أنه صور من حمأ مسنون وطين لازب ، ثم نفخ فيه الروح بعد أربعين سنة ، وإذا اختلف المراد به في هذه المواضع دل على أنه مشترك لا يختص بزمان دون غيره ، وينطلق على قليل الزمان وكثيره ، وإذا كان كذلك وقضاه قبل موته ، [ ص: 376 ] ولو بطرفة عين بر في يمينه ؛ لأنه قضاه في زمان ينطلق عليه اسم الحين ، قال الشافعي رضي الله عنه : وأفتيه ورعا أن يقضيه في يومه ، وأن يحنث نفسه إن قضاه بعد انقضائه ، ليحمل على أقل ما ورد به الشرع ، وإن لم يلزم ذلك في الحكم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية