الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله - تعالى : " ولو رماه الأول ورماه الثاني ولم يدر أبلغ به الأول أن يكون ممتنعا أو غير ممتنع جعلناه بينهما نصفين " .

                                                                                                                                            [ ص: 45 ] قال الماوردي : وصورتها صيد رماه اثنان ، فأصاباه ، ووجد ميتا بعد إصابتهما فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يعلم حال الراميين ، ويعلم صفة الرميتين ، والعلم بحال الراميين أن يعلم هل اجتمعا عليه ، أو افترقا ، ويعلم إذا افترقا أيهما كان أولا وآخرا .

                                                                                                                                            والعلم بصفة الرميتين ، أن يعلم هل كان إثباته بالأولى أو بالثانية ، أو بهما ، وهذا الضرب قد ذكرنا حكمه ، فلم يحتج إلى إعادته .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يشكل حالة الراميين ، ويشكل صفة الرميتين ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون الإشكال في الراميين ، هل أصاباه معا أو تقدم أحدهما على الآخر ، فيجري عليه في الملك حكم الاجتماع ، ويكون بينهما نصفين : لتساويهما فيه ، وهل يجري عليه في الذكاة والإباحة حكم الاجتماع أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يجري عليه حكم الاجتماع ، فيكون ذكيا مباحا إلحاقا بحكم الملك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يجري عليه في الذكاة والإباحة حكم الافتراق ، فيحرم أكله ، وإن جرى عليه في الملك حكم الاجتماع : لأن الأصل في أكله الحظر ، فلم نبحه إلا بيقين ، وقد يجوز أن يتقدم أحدهما على الآخر ، فيحرم ، ويجوز أن يجتمعا عليه ، فيحل فوجب أن يغلب فيه حكم التحريم .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يعلم التقدم ، ويقع الإشكال في المتقدم ، فهذا على ثلاثة أضرب :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلم صفة الرمي ، ويشكل المتقدم بالرمي .

                                                                                                                                            والثاني : أن يعلم المتقدم بالرمي ، وتشكل صفة الرمي .

                                                                                                                                            والثالث : أن يشكل المتقدم بالرمي ، وتشكل صفة الرمي .

                                                                                                                                            فأما الضرب الأول وهو أن يعلم صفة الرمي ، ويشكل المتقدم بالرمي ، فهذا الإشكال في الملك دون الإباحة ، فإن كان صفة الرمي لا تبيح الأكل ، فالإشكال في المالك غير مؤثر : لأنه لم يستقر على الصيد ملك ، فإن كان صفة الرمي تبيح الأكل صار الإشكال في الملك مؤثرا ، فإن لم يتنازعا فيه جعل بينهما نصفين لاستوائهما ، وليس يمتنع إذا كان الأصل يوجب أن يكون لأحدهما أن يجعل مع الإشكال بينهما كالوالدين ، يكون أحدهما مسلما ، والآخر كافرا إذا اختلفا في ميراث أبيهما ، فادعاه المسلم لإسلام أبيه ، وادعاه الكافر لكفر أبيه ، وكان الأب مجهول الدين يجعل الميراث بينهما ، وإن أحاط العلم باستحالة الشركة ، وأنه لا يكون إلا لأحدهما ، لكن [ ص: 46 ] لما أشكل مستحقه ، وقد استويا فيه جعل بينهما كذلك الصيد ، وإن أوجب افتراقهما في رميه أن يكون لأحدهما لا يمتنع مع الإشكال أن يجعل بينهما ، فإن تنازعا فيه تحالفا عليه ، فإن حلفا أو نكلا كان بينهما ، وإن حلف أحدهما كان للحالف منهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية