الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه فلان فاشتراه فلان وآخر معه طعاما ولا نية له ، فأكل منه لم يحنث " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال ، إذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد ، فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة ، فأكل منه لم يحنث .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : يحنث احتجاجا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه قد أكل طعاما قد اشتراه زيد ، وعمرو ، فوجب أن يحنث كما لو اشترياه في صفقتين .

                                                                                                                                            [ ص: 353 ] والثاني : إلزام لنا أنه لما أجرى الشافعي على اجتماعهما في الشراء حكم الصفقتين في انفراد كل واحد منهما ، بالرد بالعيب ، وجب أن يجري عليه حكم الصفقتين في الحنث .

                                                                                                                                            ودليلنا شيئان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الشراء عقد إذا اشتركا فيه ، لم ينفرد أحدهما به واختص كل واحد منهما في العرف بنصفه ، فلم تكمل الصفة ، فلم يقع الحنث لأن الأسماء في الأيمان يختص بالعرف .

                                                                                                                                            والثاني : أن كل جزء من الطعام لم يختص الحالف بشرائه ، فإن قل فوجب أن لا يقع له الحنث كما لو حلف ، لا دخلت دار زيد ، فدخل دارا بين زيد وعمرو ، أو حلف لا يلبس ثوب زيد ، فلبس ثوبا بين زيد وعمرو لم يحنث بوفاق أبي حنيفة ، كذلك يلزمه أن لا يحنث بطعام اشتراه زيد وعمرو .

                                                                                                                                            فأما الجواب عن استدلاله بالشراء في صفقتين مشاعا فهو أن كل جزء من أجزاء الطعام قد اشترى زيد نصفه ، بعقد تام فوجد شرط الحنث ، وإذا كان بعقد واحد فهو مشترك ، فلم يكمل شرط الحنث فافترقا .

                                                                                                                                            وأما الجواب عما ذكره من الرد بالعيب ، فهو أن الأيمان والأحكام وإن اشتركا في اعتبار الأسماء فقد افترقا في غيرها ، فاعتبر العرف في الأيمان ، واعتبر المعنى في الأحكام ، فصار هذا الفرق مانعا من اشتراكهما في تعلق الحكم بهما على سواء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية