الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإن قال ارم عشرة أرشاق ، فإن كان صوابك أكثر فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اختلف أصحابنا في صورة هذه المسألة على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المزني حذف منها ما قد ذكره الشافعي في كتاب " الأم " فقال فيه :

                                                                                                                                            ولو قال له : ناضل نفسك ، وارم عشرة أرشاق ، فإن كان صوابك أكثر من خطئك فلك كذا لم يجز أن يناضل نفسه ، فحذف المزني قوله : " ناضل نفسك " وأورد باقي كلامه ، وحكمه على هذه الصورة باطل باتفاق أصحابنا .

                                                                                                                                            [ ص: 230 ] واختلفوا في تعليله ، فقال أبو إسحاق المروزي : وهو الظاهر من تعليل الشافعي أنه جعله مناضلا لنفسه ، والنضال لا يكون إلا بين اثنين ، فإن كثر ، فاستحال نضال نفسه فبطل .

                                                                                                                                            وقال آخرون : بل علة بطلانه أنه ناضل على خطئه بصوابه بقوله : إن كان صوابك أكثر من خطئك ، والخطأ لا يناضل عليه ، ولا به .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أن المسألة مصورة على ما أورده المزني هاهنا ، ولم يذكر فيه نضال نفسه ، وقال له : ارم عشرة أرشاق ، فعلى هذا يكون في صحته وجهان من اختلاف العلتين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه صحيح ، ويستحق ما جعل له للتعليل الأول : لأنه بذل مالا على عمل لم يناضل فيه نفسه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه باطل للتعليل الثاني أنه مناضل على خطئه وصوابه ، ويتفرع عن هاتين المسألتين ثالثة :

                                                                                                                                            واختلف فيها أصحابنا بأيهما تلحق على وجهين ، وهو أن يقول : ناضل وارم عشرة أرشاق فإن كان صوابك أكثر ، فلك كذا فتوافق المسألة الأولى في قوله : ناضل ، وتوافق المسألة الثانية في حذف قوله : ناضل نفسك ، وأحد الوجهين وهو قول أبي إسحاق المروزي : إنهما في حكم المسألة الأولى في البطلان : لأجل قوله : ناضل ، والنضال لا يكون إلا بين اثنين فصار كقوله : ناضل نفسك .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها في حكم المسألة الثانية في حمل صحتها على وجهين من اختلاف العلتين إذا سقط قوله : ناضل نفسك صار قوله : ناضل ، يعني : ارم على نضال ، والنضال المال ، فصار كالابتداء بقوله : ارم عشرة أرشاق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية