الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وقد أجاز الرماة للمسبق أن يراميه رشقا وأكثر في المائتين ، ومن أجاز هذا أجازه في الرقعة وفي أكثر من ثلاثمائة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ذكر الشافعي في هذه المسألة كلاما مشتبها يشتمل على أسماء مبهمة ، وأحكام مختلفة فيلزم تعيين أسمائها ، وبيان أحكامها .

                                                                                                                                            فأما الأسماء ، فذكر منها الرشق ، فقد ذكرناه أنه بفتح الراء اسم للرمي ، وبكسرها اسم لعدد الرمي ، وهما عددان لازم ومستحب .

                                                                                                                                            فأما اللازم في العقد ، فهو جملة عدد الرمي الذي تعاقدا عليه ، كاشتراطهما رمي مائة سهم ، فالمائة رشق ينطلق عليها اسم الرشق حقيقة .

                                                                                                                                            وأما المستحب في العقد ، فهو تفصيل عدد الرمي الذي يتناوبان فيه كاشتراطهما أن يتراميا خمسا خمسا ، أو عشرا عشرا ، فالعشر رشق ، ينطلق عليها اسم الرشق مجازا : لأنها بعض الحقيقة ، فصارا رشقين : رشق جملة ، ورشق تفصيل .

                                                                                                                                            وعادة الرماة في رشق التفصيل مختلفة ، فمنهم من يختار أن يكون خمسا خمسا ، ومنهم من يختار أن يكون عشرا عشرا ، ومنهم من يختار أن يكون اثني عشر اثني عشر تبركا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص يوم أحد : ارم فداك أبي وأمي ، اثنتي عشرة مرة ، فكان حسن الأثر في الرمي معتبرا بهذه الدعوة ، وهو أول من رمى في الإسلام سهما ، وأراق فيه دما ، وشعره فيه دليل عليه حيث يقول :


                                                                                                                                            ألا هل أتى رسول الله أني حميت صحابتي بصدور نبلي     فما يعتد رام في عدو
                                                                                                                                            بسهم يا رسول الله قبلي     وذلك أن دينك دين صدق
                                                                                                                                            وذو حق أتيت به وعدل

                                                                                                                                            فأما الندب ، فمنهم من جعله اسما لمال السبق ، والرمي ، ومنهم من جعله اسما لعدد الرمي كالرشق ، واختلف من قال بهذا ، هل ينطلق على عدد الجملة أم عدد [ ص: 237 ] التفصيل أو يختص بعدد التفصيل ، فقال بعضهم : ينطلق على العددين كالرشق ، وقال آخرون : يختص بعدد التفصيل دون الجملة .

                                                                                                                                            واختلف من قال بهذا هل يختص برمي الجلاهق أو يعم النشاب والجلاهق ، فقال بعضهم : الندب كالرشق يعم انطلاقهما على عدد الرمي في النشاب والجلاهق وهو البندق .

                                                                                                                                            وقال آخرون : الرشق مختص بعدد الرمي في النشاب ، والندب مختص بعدد الرمي في الجلاهق ومن الأسماء التي ذكرها الشافعي في هذه المسألة " الرقعة " وقد اختلف في روايتها فرواها المزني : الرقعة بالقاف وضم الراء ، ورواها ابن سريج : " الرفعة " بالفاء وكسر الراء مأخوذ من الارتفاع ، وزعم أنه المنصوص عليه في كتاب " الأم " ونسب المزني إلى الوهم ، فعلى رواية أبي العباس بن سريج يكون هذا الاسم صفة للغرض في ارتفاعه من خفض إلى علو .

                                                                                                                                            وعلى رواية المزني أنها الرقعة بالقاف اختلف في المراد بها هاهنا على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه اسم للغرض الذي في الهدف ، فيكون مسمى باسمين : بالرقعة وبالغرض .

                                                                                                                                            والثاني : أنه اسم يختص بها في وسط الغرض من عظم هو أضيق ما فيه من مواقع الإصابة الذي تقدم له سمة بالخاتم ، فيسمى باسمين بالرقعة وبالخاتم .

                                                                                                                                            والثالث : أنه اسم لمسافة الرمي ، فيما بين موقف الرامي والهدف ، ولئن طال الكلام بتفسير هذه الأسماء ، فلا غنى عنها : لتعلق الأحكام بها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية